كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
أسقطت لُعبة صرف الدّولار مُقابل الليرة اللبنانيّة مقامات ومناصب عديدة كانت مدعاة لفخر واعتزاز وحتّى غرور البعض، وقلبت التّركيبة الإجتماعيّة التي كانت سائدة رأساً على عقب، وبدّلت الكثير من المفاهيم حول الطبقيّة في لبنان.
17500 ليرة مقابل الدّولار، إذا اعتمدنا سعر الصّرف هذا، الذي بطبيعة الحال يخضع للتغيير الدّائم، يتبيّن لنا، وبعد عمليّة حسابيّة بسيطة، كيف أصبحت رواتب بعض المناصب “المُهمّة” في لبنان.
سقوطٌ… من أعلى الهرم!
راتبُ رئيس الجمهورية الذي هو أعلى منصب في لبنان، هو 18.75 مليون ليرة، أصبح اليوم يُساوي 1071 دولار أميركي، أمّا راتب رئيس مجلس النواب الذي يُقارب 17.73 مليون ليرة، فبات اليوم زهاء 1013 دولار، والوزير الذي يتقاضى 12.93 مليون ليرة، يُساوي راتبه اليوم 738 دولار أميركي، وهو رقمٌ أعلى بطبيعة الحال من راتب النائب الذي يساوي اليوم 728 دولار مع ما يُعادله بالليرة اللبنانية 12.75 مليون ليرة، مع الإشارة الى أنّ هذه الرواتب كانت في السّابق من الأعلى عالميّاً.
أما راتب المدير العام العادي في الدرجة الأولى فهو 2.075 ليرة لبنانية، ما يعني اليوم حوالي 118 دولار أميركي فقط!
القاضي من الدرجة الاولى الذي يتقاضى 4.1 ملايين ليرة، أصبح راتبه يعني عملياً 234 دولار أميركي، أيّ أقلّ من رواتب بعض عاملات المنازل، أما راتب الأستاذ الجامعي من جهة أخرى، الذي يُقارب الـ3.7 ملايين ليرة، فأضحى اليوم 211 دولار أميركي.
وفي الاسلاك العسكرية، إذا كان راتب الملازم أوّل زهاء مليون و800 ألف ليرة، فإنه أمسى مع انخفاض قيمة العملة الوطنية102 دولار.
تُبيّن الأرقام أعلاه كيف بدّلت قيمة العملة في القواعد الاجتماعيّة المُتعارف عليها والتي كانت تعني أنّ المنصب المهمّ يأتي مع راتبٍدسمٍ وهو ما كان يُغري العديد من الأشخاص للحصول على اللّقب مع الراتب مع مكانة مهمّة في المجتمع.
كلٌّ يدفع “على ليلاه”
في مُقابل هذه الرواتب التي أصبحت في أدنى السلّم في لبنان، استطاعت شركات أن تصمد في ظلّ الازمة، وأنّ تراعي ما يعيشه الموظّفون من صعوبات وترفع قيمة رواتب موظّفيها، حتى باتت تعرفة الـ3900 هي المُتعارف عليها بين عددٍ كبيرٍ من الشركات والمؤسّسات في لبنان خصوصاً تلك التي أصبحت تجني مداخيل بالدولار الـ”فريش” تماماً كالكثير من القطاعات الحيوية.
أما الشّركات أو المنظمات التي تعمل كفروع في لبنان لمؤسّسات في الخارج، فهي الأكثر صموداً وازدهاراً والمُستفيدة الأكبر من هبوط قيمة العملة الوطنية، والموظّفون فيها هم “الأكثر حظّاً”، كالسّفارات والمنظّمات الدولية والشركات الأجنبيّة، إذا يتقاضىالموظّفون فيها رواتب بالعملة الصّعبة، حتى بات راتب سائق في سفارة يتخطّى راتب رئيس الجمهوريّة!
“الأغنياء الجُدد”
أمام هذا التفاوت بالرواتب، ظهرت طبقة جديدة في لبنان، هي طبقة “الأغنياء الجدُد” أو الـ”Nouveaux Riches”، وهم ليسوا أصحاب الملايين في المصارف اللبنانيّة كما كان مُتعارف عليه في السّابق، إذ ان هؤلاء أموالهم محجوزة حتّى إشعارٍ آخر، ولا يُمكنهم سحب إلاّ القليل منها في ظلّ وجود سقوفٍ شهرية، وإنما الأغنياء الجُدد هم ببساطة من يعملون خارج لبنان ولديهم حسابات ومؤسّسات في دول أخرى، فهم يرسلون الدولارات الى أفراد عائلاتهم الذين بدورهم يعيشون حياة أكثر ترفاً من باقي المواطنين، ويستفيدون من الازمة الحالية لتحسين وضعهم الاجتماعي من مختلف النواحي.
كالاعصار، ضربت الازمة الماليّة والاقتصاديّة المجتمع اللبناني، ولم تفوّت أيّ منصبٍ أو مقامٍ، خالطة كلّ الأوراق، وضاربة في عرض الحائط ما كان يسود مجتمعنا من فوقيّة وتعالٍ، في زمنٍ أصبح فيه عمّال المنازل يتلقّون رواتب أعلى من معاشات أصحاب المنازل ومن أهمّ المناصب في الدّولة!
وأمام هذا الواقع، تبقى حقيقة مُهمّة لا يُمكن أن نغفلها، وهي أنّ الفئة الأكبر من اللبنانيّين لا تحصل لا على الدولار ولا حتّى على الليرة، لأنها بكلّ بساطة فئة العاطلين عن العمل، وهؤلاء هم الضحايا، وأوّل من دمَّرهم الاعصار، دماراً شاملاً وربّماً نهائياً…