كتب ذو الفقار قبيسي في ” اللواء”
معيشة اللبنانيين تتنقل من أزمة الى أخرى، حيث انحسار مخاطر جائحة كورونا فتحت الطريق أمام إرتفاع سعر النفط بسبب عودة الاقتصادات العالمية الى الانتعاش واقتراب سعر البرميل من ٨٠ دولارا مع توقّع بنك غولدمان ساكس ٩٠ دولارا بحلول نهاية العام بسبب تعافي الطلب وأثر الإعصار على الانتاج الأميركي الذي أدّى لتناقص الإمدادات العالمية، فيما توقعت الوكالة الدولية للطاقة أن يرتفع متوسط الطلب العالمي على النفط من ٩٠ مليون برميل يوميا عام ٢٠٢٠ إلى 96,1 مليون برميل يوميا عام ٢٠٢١ إلى 99,4 مليون برميل يوميا عام ٢٠٢٢ بسبب طلب مكبوت قوي وتقدّم مستمر في حملات التطعيم للوقاية من كورونا بما يعيد الطلب على النفط لمستويات ما قبل الجائحة أوائل ٢٠٢٢.
وفيما تختلط ردود الفعل العالمية بين بلدان تتحمّل سلبية الإرتفاع مقابل إيجابية انتعاش الاقتصاد، يبدو لبنان مكبّلا ومقيّدا بأزماته الاقتصادية والمالية والنقدية، فضلا عن أزمته السياسية المزمنة، بحيث لم يعد قادرا على الإستفادة من إيجابية الانتعاش العالمي لتحريك اقتصاده المنهار، لا من حيث الإستثمارات ولا من حيث الودائع العربية والأجنبية. وما يقال عادة عن إيجابية إرتفاع التحويلات الاغترابية بسبب إرتفاع دخل اللبنانيين في دول الخليج الناتج عن صعود أسعار النفط، فإن هذا الإرتفاع يبقى محدودا جدا بالمقارنة مع سلبيات فاتورة المحروقات عموما على المستهلك اللبناني الذي لم يعد قادرا على تحمّل المزيد بعد أن رفعت الدولة سعر صفيحة البنزين الى الحد الذي يزيد في شلل الاقتصاد ويعطّل حركة النقل ويرفع الأكلاف والأعباء على ميزانية المؤسسات والأسر والأفراد.
وهذا إلى جانب تزامن مشكلة تداعيات إرتفاع أسعار النفط مع الإرتفاع المروّع في أسعار الغاز في العالم وتداعياته على لبنان. وفي مقال العدد الأخير لـ«الأكونوميست» ان لبنان بأزمته المالية التي أدّت الى انهيار قيمة عملته الوطنية (استعملت المجلة كلمة Worthless أي دون أي قيمة) وبهبوط احتياطياته من العملات الأجنببة من ٣٨ مليار دولار عام ٢٠١٩ الى ١٥ مليار دولار هذا الصيف، وبخفض الدعم الى الحد الذي أوصل سعر ٢٠ ليترا من البنزين الى ٣٠% من الحد الأدنى للأجور، لم تعد الحكومة اللبنانية قادرة على المزيد من رفع السعر على سكان جرى إفقارهم Impoverished Population ولا يتلقّون أكثر من ساعتين كهرباء. وحتى المولدات التي يفترض أن تؤمّن الفارق لا تحصل على المحروقات اللازمة بسهولة .إذا وجدت.
وفي موضوع الغاز تضيف المجلة أعباء أخرى بسبب إرتفاع السعر الناتج عن شتاء متوقع قارس سيزداد فيه الطلب، ونقص الإمدادات الناتج عن أثر الأعصار على الانتاج الأميركي وتراجع ضخ الغاز الروسي لدرجة ان كلفة الغاز لتدفئة متوسط منزل في أوروبا على مدار السنة ارتفعت من ١١٩ يورو (١٣٩ دولارا) في أيلول ٢٠٢٠ الى ٧٣٨ يورو الآن في أيلول ٢٠٢١. ما دفع الكثير من سكان أوروبا للعودة الى طرق التدفئة التقليدية مثل الفحم والحطب.
وفي لبنان حتى هذه الطرق لم تعد ميسّرة. فالغلاء وارتفاع الدولار وانهيار القوة الشرائية كلها تهدّد بشتاء قاسٍ يضاف إلى قساوة المعيشة ومظالم السياسيين.