كتبت صحيفة “النهار”:
لم تكن عودة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء في اليومين الأخيرين المؤشر الوحيد إلى نفاد سريع لفترة السماح العابرة التي منحتها الأزمات التي يتخبط فيها اللبنانيون للحكومة، ولكن يبدو أن الأزمات الخانقة وأولها وأشدها أزمة الكهرباء كما الأزمات التي شهدت بعض الانفراجات الجزئية الأقرب إلى هدنات التقاط الانفاس كأزمة البنزين والمازوت عادت بدورها إلى إطلاق صفارات الإنذار. وإذ يتوقع ان تتفاقم تداعيات هذه الأزمات في الفترة القصيرة المقبلة نظرا إلى البطء الشديد الذي يطبع تعامل الجهات الرسمية معها، بدليل توقف باخرتي توليد الطاقة الكهربائية أمس على نحو نهائي بعدما كانت الشركة المشغلة لهما أطلقت إنذارا مبكرا لتوقفهما منذ أكثر من شهر، سيتعين على الحكومة ان تواجه بأقصى سرعة الاختبار الذي يسلط الأضواء على مدى قدرتها الجادة في بدء التخفيف من وطأة الأزمات الضاغطة على اللبنانيين في وقت حطم معه لبنان أكثر الأرقام القياسية عالميا في مستويات انهياره وتراجعاته الدراماتيكية. واذا كانت الحركة الديبلوماسية التي سجلت عقب نيل الحكومة الثقة النيابية بدءا من زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لباريس مرورا بزيارة رئيس الوزراء الأردني لبيروت وصولا إلى استئناف المشاورات الفرنسية مع الرياض حول لبنان من خلال الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل يومين قد رسمت ملامح الاطار الخارجي الحاضن لانطلاق الحكومة فان المعطيات المتوافرة عن هذه الحركة لا توحي بان طريق الحكومة ستكون معبدة بالرياحين ، وهو ما لمح إليه واقعيا الرئيس ميقاتي امس من طرابلس.
ماكرون وبن سلمان
وفي هذا السياق أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن مصدرا فرنسيا رفيعا كشف لـ”النهار” أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لم يسفر عن تغيير في الموقف السعودي المتصلب ازاء لبنان الذي تعتبره المملكة العربية السعودية تحت نفوذ “حزب الله”. وأفاد المصدر نفسه ان الرئيس الفرنسي نصح القيادة السعودية بالعودة إلى الاهتمام ودعم لبنان ودعم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والعمل مع فرنسا لمساعدة لبنان لحض الحكومة على الاصلاحات ودعمها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وأشار المصدر إلى ان ولي العهد السعودي أعرب عن نيته الاستمرار في التعاون والعمل مع فرنسا في هذا الإطار، وهو ما رأى فيه المصدر الفرنسي املا واحتمالا لان تطور السعودية موقفها من لبنان رغم تصلبها الحالي. ووصف المسؤول الفرنسي الرفيع الحديث بين ماكرون وولي العهد السعودي بانه كان تبادلا معمقا للآراء حول الدعم للبنان وان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان سيعمق النقاش حول لبنان مع المسؤولين السعوديين خلال زيارته المرتقبة إلى السعودية.
بوريل والنظام
أما الموقف اللافت حيال لبنان فنقلته موفدة “النهار” سابين عويس إلى مؤتمر السياسات العالمية المنعقد منذ أمس في أبو ظبي عن الممثل الاعلى للمفوضية الاوروبية جوزب بوريل الذي حدد الموقف الاوروبي من لبنان اذ قال على هامش مداخلته في المؤتمر “إن الاستراتيجية الأوروبية تفتقر إلى الاستراتيجية”. وأشار ردًا على سؤال إلى “انه في حالة لبنان طلبنا من المسؤولين اللبنانيين ان يتحملوا مسؤولياتهم وأخفقنا في الضغط في هذا الاتجاه، كما أخفق لبنان رغم الضغوط”. وقال “هناك فشل تام للنظام السياسي ولكن لا يمكن اوروبا ان تغير الانظمة. وفي حالة لبنان ان لم تبادر السلطات إلى التصرف فلن يكون ممكنًا تحقيق تقدم على هذا الصعيد”. وقال بوريل ان النخب السياسية اللبنانية هي الوحيدة القادرة على جلب الحلول.
في غضون ذلك رد الرئيس ميقاتي على ” الكثير من التحليلات الصحافية التي تتناول علاقات لبنان بالدول العربية ووصلت إلى حد تسويق البعض لوساطات مزعومة وسلبيات مطلقة في المقابل ” واكد ان “الحكومة ستقوم بنفسها بكل الخطوات المطلوبة لإعادة وصل من انقطع في علاقات لبنان مع الاخوة العرب، ونعلم في المقابل حرص الاشقاء العرب على المحافظة على وحدة لبنان وحمايته من أي أخطار قد تحيط به. هذا الوطن لطالما شكل رسالة لتجسيد المحبة والتعايش بين الأديان، ولطالما سارع الاخوة العرب إلى انتشاله من عثراته، كلما ألمت به المحن، انطلاقا من تفهمهم الأخوي لخصوصية وتنوع نسيجه السكاني”.
الكهرباء
أما بالنسبة إلى الأزمات الحياتية والخدماتية فبدا بعد يومين من قرار مجلس الوزراء اقتراض مئة مليون دولار من مصرف للبنان لتوفير الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان ان ملفات الكهرباء مقبلة على تفاقم خطير قد لا تكون سيطرة الحكومة عليها متاحة علما ان العين الفرنسية خصوصا والأوروبية عموما مسلطة على ملف الكهرباء في الدرجة الأولى. وتفيد المعلومات ان المنسق الفرنسي الخاص لمقررات مؤتمر “سيدر” بيار دوكان سيزور بيروت قريبا جدا لمتابعة ما اتفق عليه في لقاء الرئيس ماكرون والرئيس ميقاتي الأسبوع الماضي في لقاء الاليزيه وان ملف الكهرباء والخطة العائدة للقطاع وإنشاء الهيئة الناظمة هي الأسس الكبيرة التي ستحكم موقف باريس من تعامل الحكومة مع هذا الملف الحيوي. وبرز تطور لافت امس تمثل في اعلان شركة “كارباورشيب” توقفها عن إمداد لبنان بالطاقة الكهربائية من باخرتَيها فاطمة غول سلطان وأورهان باي، الراسيتَين قبالة معملَي الجية والزوق تباعًا، وذلك مع انتهاء العقد صباح امس عقب ثمانية أعوام من الاستعانة بالباخرتين. وقالت الشركة انها ستعلم الشعب اللبناني عبر وسائل الإعلام عن عملية انسحاب باخرتَيها تباعًا في الوقت المناسب.
ومع ان مصدرا في مؤسسة كهرباء لبنان قلل اثر هذه الخطوة لان الباخرتين متوقفتان عن الإنتاج منذ اكثر من شهر بسبب أزمة الفيول فان مصادر معنية ركزت على مشكلة الغموض الذي يكتنف شؤون وزارة الطاقة وكهرباء لبنان وقراراتها وتلزيماتها ودفاتر شروطها وآخرها ما يتعلق بتأخير مناقصات استبدال النفط العراقي بمحروقات صالحة تنفيذاً للاتفاقية، بعدما تأخر انجاز هذه الاتفاقية لأسباب وظروف غامضة، ولا تزال تفاصيلها غامضة ومحجوبة ومحاطة بسرية تثير الشكوك. وتقول هذه المصادر ان ما يزيد القلق على وضع العتمة خلال الفترة القريبة والظروف الراهنة هو مقاربات وزير الطاقة الحالي لناحية التعامل مع الموضوع والإدارات المعنية به والذي يبدو واضحا أنه ملتزم النهج نفسه من التعتيم والتستر على اتجاهاته فيما تتطلب الأزمة منتهى الشفافية والوضوح.
انفراج تربوي
في المقابل برز تطور إيجابي يتعلق بتامين متطلبات العام الدراسي في المدارس الرسمية إذ أعلن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي بعد اجتماع في السرايا مساء برئاسة ميقاتي التوصل مع الجهات المانحة إلى توفير امكانات متعددة في الاجابة على متطلبات هذا العام، “وتمكنت بالتعاون مع الجهات المانحة ومنظمات الامم المتحدة من الحصول على هبة مالية تفوق السبعين مليون دولار لدعم القطاع التربوي شرط مباشرة هذه السنة الدراسية الحضورية”. وكشف ان الاجتماع أكد “احقية مطالب الهيئة التعليمية وتم بحث كلفة هذه المطالب، في ضوء ورقة العمل التي عرضناها للمجتمعين، وكان وزير المال ايجابيا للغاية في تحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب”. ودعا “في ضوء هذا الاجتماع المعلمين وادارات المدارس إلى المباشرة بتسجيل الطلاب” موضحا انه سيدعو مطلع الاسبوع المقبل ممثلي المعلمين والنقابات التعليمية والمتعاقدين إلى اجتماع لعرض تفاصيل هذا الدعم الذي لقيه القطاع التربوي هذه السنة من الجهات المانحة والحكومة اللبنانية.