من خلال تصريحاته ظهر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مربكاً تجاه العلاقة مع سوريا. استخدم عبارة “سوريا وأياً كان…” وركّز مراراً على مسألة “العلاقات مع كل الدول العربية وخاصة دول الخليج”، ثم عاد وتحدث عن انفتاح على سوريا شرط الا يتعرض لبنان للعقوبات قائلاً: “لن يقبل بالعلاقات مع سوريا إذا كانت تعرض لبنان للمخاطر”. لا يزال يحاذر في مقاربة العلاقة الثنائية مع سوريا ولا يريد لباكورة زياراته الخارجية ان تنطلق من سوريا قبل المملكة السعودية ودول الخليج. في كل ما قاله وعبر عنه انما قصد جسّ نبض السعودية وأميركا وهو الراغب ضمناً بفتح الباب الى سوريا.
ولكن خلافاً لمواقفه الملتبسة فمن يلتقي ميقاتي يلمس منه ايجابية تجاه العلاقة مع سوريا، واستعداداً لبحث الامور ذات الاهتمام المشترك لكنه يخشى من عواقب قانون “قيصر” خشية فرض عقوبات على لبنان. فقد التقى ميقاتي مؤخراً رئيس المجلس الاعلى اللبناني السوري ليتمّ البحث في جملة مواضيع كان انطلق بحثها خلال الحكومة الماضية، وأبدى رئيس الحكومة مرونة في التعاطي ولكن مع ضرورة ايجاد السبل الكفيلة بتجنيب لبنان الوقوع في فخ العقوبات المترتبة على قانون “قيصر”.
يريد ميقاتي جرعة دعم تعيده الى سوريا التي لازم الصمت حيالها طوال الفترة الماضية، وقد أتته جرعة الدعم تلك من خلال نظيره الاردني بشر الخصاونة المدرك تماماً لضرورة التواصل مع سوريا في اي موضوع يتصل بالتعاون مع لبنان. وهو لا شك اعطى تطمينات على هذا المستوى خصوصاً وان بلاده قطعت شوطاً واسعاً على خط استعادة العلاقة مع سوريا، حيث بدأ البلدان تسيير رحلات مباشرة بينهما وهو ما كان مدعاة ترحيب اميركي. جرعة التحولات التي استجدت على المشهد السوري والمتصل خصوصاً بالاجتماعات الثنائية مع المملكة السعودية والانفتاح الاردني والمصري وقرب الانسحاب الاميركي من سوريا، كلها مؤشرات تساعد ميقاتي في بلورة موقف لبناني مرن تجاه عودة العلاقة، وهو المدرك منذ لحظة تكليفه ان القرار بتعزيز العلاقة مع سوريا متخذ من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولا عودة عنه، وقد تبلور بزيارة الوفد الوزاري على خلفية بحث اجراءات استجرار الغاز من مصر عن طريق الاردن وسوريا، وسيستكمل بزيارة يفترض ان يقوم بها عما قريب مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم على رأس وفد من الامن العام، للبحث في اعادة الامور الى سابق عهدها على الحدود المشتركة بعد الاجراءات التي فرضت بسبب كورونا، لكن ليس قبل الوقوف على رأي ميقاتي لان الزيارة كانت مقررة مسبقاً.
بالموازاة إنطلق البحث الجدي في زيارة وفد وزاري لبناني الى سوريا كانت مقررة مسبقاً لم يعارضها ميقاتي لكنه اشترط الاطلاع على جدول المواضيع المعدة للبحث وطبيعة الوفد، قبل عرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنها وتوسيع الوفد ليشمل وزيري الطاقة والخارجية.
في النوايا، الطرفان جاهزان لاستئناف العلاقة. اما في الاجراءات العملية فحاجة سوريا كشرط لاستئناف العلاقة مع لبنان قرار رسمي من مجلس الوزراء ومواقف اكثر مرونة من ميقاتي، أما رئيس الحكومة فيريد تعبيد طريقه برضى أميركي وإحاطة عربية تكفلت بها الاردن والاستفادة من تجربة الاردن في هذا المجال، بحيث يمكن للبنان ان يتعاطى مع الاردن للحصول على الاستثناءات المطلوبة، والتدقيق في الكتاب الذي سبق وأعد حول قانون “قيصر” وكيفية التعاطي معه في الامور ذات الاهتمام المشترك.
في المبدأ لا سلبية من ميقاتي تجاه العلاقة مع سوريا بل ان رئيس الحكومة يريد ترتيب بعض الامور ومعالجتها تمهيداً لأي زيارة تصادق عليها الحكومة، أما زيارته شخصياً فدونها تحضيرات وتمهيد قد يكون باجتماع ثلاثي لرؤساء حكومات الاردن ولبنان وسوريا.
قبل الاردن وبعدها شرعت السعودية في مفاوضات مع سوريا، واقتصادياً فتحت المملكة ابوابها امام كل المنتجات السورية، فيما لا يزال لبنان في الصفوف الخلفية خشية المواقف الداخلية المزايدة لبعض الفرقاء على ابواب الانتخابات.
كما ميقاتي كذلك وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وعدد من الوزراء قاربوا العلاقة مع سوريا من وجهة ايجابية، فهل يتبلور هذا بموقف يتخذه مجلس الوزراء بشأن إعادة تفعيل العلاقة مع سوريا؟ الجواب ايجابي اذا كان خوف ميقاتي مقتصراً على قانون “قيصر”، اما اذا اتصل بحسابات اخرى اشد تعقيداً فالتشكيك صار مبرراً، ولو ان زائري رئيس الحكومة خرجوا بانطباع عن سياسي عاد الى رئاسة الحكومة اكثر حنكة في التعاطي وتدوير الزوايا.