اطلق وزير العمل في الحكومة الجديدة، مصطفى بيرم، تفعيل لجنة المؤشر التي تقوم بتصحيح الأجور للقطاع الخاص. هذا القطاع الذي يعاني من عجز كبير مع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان منذ عام 2019، التي سرعان ما تدهورت إلى الانهيار الكبير معطوفة على جائحة “كورونا”، ثم متوجة بتداعيات انفجار مرفأ بيروت. فهل يستطيع القطاع المنهار تصحيح الأجور فعلاً؟ وكيف ستتعامل لجنة المؤشر التي توقفت عن العمل منذ عام 2016 مع هذه التطورات؟ وما هو موقف الاتحاد العمالي العام؟
80% عجز القطاع الخاص
يؤكد الباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، في حديث لـ”المدن”، أن “تصحيح الأجور هو مطلب محق وليس ترفاً، فالسلة الغذائية والاستهلاكية الأساسية لعائلة مؤلفة من 4 أفراد كانت في أواخر 2019 تقدر بـ450 ألف ليرة، أما الآن فوصلت إلى 3 ملايين و500 ألف ليرة، أي أنها ارتفعت بنسبة تقريباً 677%، وهذا الأمر مرجح للارتفاع أكثر بعد ارتفاع سعر صفيحة البنزين، وبالتالي، تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطن بنسبة 92%. هذا من دون أن نحسب تكاليف السكن والتعليم والطبابة والكهرباء وغيرها… من هنا، لا بد من تصحيح الأجور. ولكن الرقم الذي يتم التداول به، أي رفع الحد الأدنى إلى 7 ملايين هو رقم غير منطقي. بل هو أمر صعب ومستحيل”.
ويشير شمس الدين إلى “الوضع السيء الذي يعاني منه القطاع الخاص. والآن بات لديه تكاليف تشغيلية على سعر صرف الدولار مثل المازوت للمولدات وغيرها. وعلى سبيل المثال، رفع قطاع المطاعم والفنادق الأسعار، لكنها تناسب القادمين من الخارج. وبالتالي، لا يستطيع المواطن اللبناني أن يدفع فاتورة مطعم لثلاثة أشخاص بمليون ليرة. لذلك، يُعتبر هذا القطاع عاجز تقريباً بنسبة 80% عن منح زيادات على الأجور والمعاشات الشهرية.
أما مسألة تصحيح الأجور في القطاع العام، فسيترتب عنها تداعيات وخيمة كرفع الضرائب على المواطن والتضخم”.
حلول وبدائل
من هنا يشدد شمس الدين على أن “رفع الأجور مطلب محق، ولكن هناك الكثير من العقبات. لذلك، على الدولة التفكير ببدائل وحلول تخفف الأعباء عن المواطنين، وتساهم في تخفيف الضغط على الدخل. وهي كالتالي:
أولاً- البدء بخطة النقل المشترك. من هنا يبدأ الحل بمساعدة المواطنين وكأنها رفعت من الأجور، وتوفر فرص عمل أيضاً وتخفف من التلوث. إذ تتكلف اليوم الأسرة بحدود 35% من راتبها على النقل بعد أن ارتفعت الأسعار. لذا، تستطيع الحكومة إنجاز خطة النقل المشترك من خلال قرض “البنك الدولي” بنسبة 235 مليون دولار. ويمكن الحصول على قروض أخرى ومساهمات عدة. وأيضاً، يمكن العمل على المشروع الصيني. حينها لا يضطر المواطن دفع كلفة الكيلومتر الواحد للسيارة التي تسير بسرعة 170 كلم، 1700 ليرة. وخصوصاً إذا ارتفع سعر صرف الدولار. فعندها سنجد شبكة هائلة من الموظفين لن يستطيعوا الذهاب إلى أعمالهم.
ثانياً- من أهم البدائل التي تكون بمثابة زيادة أجور، هي تأمين الكهرباء. فأقل تكلفة الآن للإضاءة في المنزل وبساعات قليلة تقدر بحوالى 500 ألف ليرة شهريًا.
ثالثاً- توفير فرص العمل، فهناك 259 ألف عامل أجنبي، ونستطيع الاستغناء عن عشرات الآلاف من هذه اليد العاملة، واستبدالها بالعاطلين عن العمل من اللبنانيين.
رابعاً- ضرورة تعزيز التعليم الرسمي للتخفيف عن الأهل مصاريف التعليم الخاص”.
الاتحاد العمالي: لا بدّ من الحوار
وفيما أشارت مصادر في وزارة العمل، في حديث مع “المدن”، إلى أن تفعيل لجنة المؤشر هي الخطوة الأولى التي تتيح تعديل الرواتب والأجور ضمن صلاحيات وزارة العمل، وبدأ العمل بتوجيه دعوات لعقد الاجتماعات المقبلة لتفعيل اللجنة وإجراء دراسات علمية لتصحيح الأجور، أكد رئيس الاتحاد العمال العام، بشارة الأسمر، في حديث مع “المدن”، أنّ الاتحاد منفتح على الحوار.
وأضاف الأسمر: “حددنا سابقاً الحد الأدنى للأجور بـ7ملايين ليرة، خصوصاً أن كلفة النقل شهرياً ارتفعت إلى مليون ونصف مليون ليرة، وكلفة الاشتراك بكهرباء المولدات لـ5 أمبير باتت مليوناً. ولكن الاتحاد مستعد لخفض هذا الرقم، شرط أن يتم دعم النقل، تحسين المنح المدرسية، ورفع التعويضات العائلية بالضمان وغيرها”.
وتابع: “لا بد من حوار مع وزارة العمل والهيئات الاقتصادية، كي نتوصّل إلى حلول ترضي الجميع، وتراعي أوضاع المؤسسات المتعثرة والمفلسة، والتي تمر بأوضاع صعبة”.
الأجور قد ترتفع 25% كحد أقصى
من جهته، شرح شمس الدين لـ”المدن” عن لجنة المؤشر وقال: “هي لجنة لدراسة نسبة تصحيح الأجور. ومن أسهل الأمور وضع زيادة على الرواتب، لكن بذلك تتضخم التعويضات ونصبح إزاء كارثة كبيرة.”
وأشار إلى أن “هذه اللجنة من المفترض أن تجتمع كل عام بشكل دوري وتضع كل عام مؤشراً لزيادة الأجور، إلا أنها متوقفة منذ عام 2016. ولا يجوز زيادة الأجور فجأة بعد عدة سنوات من التغيرات الاقتصادية. فهذه آلية غير علمية. ومنذ شهر تشرين الأول 2019 حتى الآن ارتفعت الأسعار بشكل كبير. واللجنة لن تستطيع اتخاذ قرار بتصحيح الأجور بنسبة 600%. لكن نستطيع الوصول إلى رفع الأجور بنسبة 20 و25% مع الحلول التي أشرت إليها عنها سابقاً.”