المؤكد أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هي آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون المُتبقّي منه عام أو أكثر بقليل. وحتّى في حال استقالة الحكومة، فإنه من المُستَبعَد حصول توافق جماعي حول حكومة جديدة بديلة عن الحالية لأسباب كثيرة، كشفت عنها عمليات التأليف منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري في تشرين العام 2019. ولأن الحال لا يسمح بانفراط عقد أو حل، تقاطع مع مجموعة مصالح خارجية، فإن قوى الداخل، ستعمل هي الأخرى على تحقيق مصالحها، وفقاً لحساباتها الخاصّة، مما سينعكس سلباً على إنتاجية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهو الأمر الذي سيُعيد رحلة البحث عن الحلول الإقتصادية، إلى مربّعها الأوّل والتي ستشهد تقاذف اتهامات بين القوى الباحثة عن استعادة مواقعها داخل التركيبة السياسية المُقبلة.
لن يكون الإنشغال السياسي في البلد من الآن وصاعداً، مُتعلّقاً باستعادة لبنان لوضعه الطبيعي، بقدر ما سيكون انشغالاً بتحقيق المصالح الطائفية والحزبيّة، فالجميع بدأ يعدّ العدّة للمواجهة السياسية إنطلاقاً من المعركة الإنتخابيّة المُقبلة التي لن تسمح الدول الخارجية بإلغائها أو حتّى تأجيلها، مهما كانت الأسباب، حتّى ولو كانت أمنيّة. ولعلّ الإنتخابات النيابيّة المُرتقبة بعد أشهر، ستكون أكثر ضراوة من سابقاتها، إذ أنها ستُقرّر طبيعة الحكم وهوية الحاكم، خصوصاً وأنها المرّة الأولى في تاريخ لبنان، ربما، تشهد فيها القوى السياسية والحزبية هذا التراجع الشعبي والتبدّل الواضح في مزاج الرأي العام اللبناني تجاهها، وسط نقمة غير مسبوقة ضد كل الطبقة السياسية.
في ظل هذه الأجواء السائدة، وهذا النفس من التعاطي السياسي بين مكوّنات فريق السلطة، المُنقسم أصلاً حول طبيعة الحكم وحول كيفية إدارة البلد، وأيضاً بما يتعلّق بهوية لبنان وسيادته وعلاقاته بدول الجوار، تبدو الأمور أكثر من واضحة حول الطريقة التي سيُدير بها فريق الحكم، السنة الأخيرة المتبقيّة من ولاية العهد، والتي ستقوم على مبدأ تحقيق المكتسبات على حساب الإنجازات، حيث أن كل فريق سيسعى إلى حجز مكان لنفسه على متن العهد المُقبل، ولو على حساب الوضع العام. من هنا، يكشف مصدر سياسي بارز، أن السلطة مُتّفقة في ما بينها، على إعادة إنتاج نفسها في الحكم، لكن طريقة كل فريق ستختلف عن الآخر حتّى ولو حصلت ضربات متبادلة من تحت الحزام.
وبحسب المصدر نفسه، “فإن نظرة الأفرقاء المشاركة في الحكومة، تختلف نظرتها عن بعضها البعض بما يتعلّق بالإصلاحات، فهناك من في السلطة، يرفض أي عملية إصلاح إقتصادي أو سياسي أو قضائي، ما لم تخضع لمعايير تخدم سياسته الطائفية ونفوذه السلطوية، ولذلك هناك شبه تأكيد بأن الحكومة هذه لن تُنجز، وإن أكثر ما يُمكن أن تفعله، هو مراقبة التركة الثقيلة للحكومات المُتعاقبة، والسعي إلى إصلاح بعض الأعطال والأضرار، لأن الإنهيار يفوق قدرتها، بالإضافة إلى أن ثمّة من بين السلطة، مَن سيرفض شروط صندوق النقد الدولي سواء في السرّ أو العلن، وبالتالي سيعمل على إبطالها، لأن مشروع استنهاض الدولة، سوف يؤثر سلباً على مشروعه الخاص القائم أصلاً على حساب المؤسّسات الرسمية”.
ويُشير المصدر، إلى أن أوّل مُشكلة ستبرز بين أهل الحكم، تتمثّل بعملية التدقيق الجنائي بما يتعلّق بحسابات مصرف لبنان المُرتبطة بدورها بشكل أساسي بالمفاوضات القائمة مع صندوق النقد الداعي أيضاً إلى إعادة هيكلة القطاع العام، والجميع يعلم أن رؤساء الأحزاب المنضوين تحت لواء حكومة ميقاتي، بالإضافة إلى زعماء الطوائف، إنّما يتموّلون من عمليات الهدر والفساد ويتقاسمون المؤسّسات تبعاً لأعرافهم، وطبقاً لنظام المُحاصصة القائم بينهم، منذ اتفاق “الطائف” ولغاية اليوم.