نشرت مجلة “نيوزويك” الأميركية مقالاً للباحث في مؤسسة “الدفاع عن الديموقراطيات” طوني بدران، يرى فيه أن “الحكومة اللبنانية الجديدة، هي حكومة “حزب الله””، مشيراً الى أنه “بات واضحاً للجميع أن الحزب “يدير النظام السياسي اللبناني”.
وقال بدران في مقاله: “بعد عام من المشاحنات السياسية بين الزعماء الطائفيين في لبنان، قرر “حزب الله” أن الوقت قد حان لتشكيل حكومة جديدة، الآن، يجب أن يكون واضحاً لجميع المراقبين أن “حزب الله” يدير النظام السياسي اللبناني، ومن خلال هذه الحكومة، سيقود “حزب الله” الآن ارتباط لبنان مع العالم الخارجي، أدت قرارات “حزب الله” بشأن تشكيل الحكومة الجديدة إلى وضوح الخطوط الأساسية لخطة الحزب”.
أضاف: “كان التدخل المباشر من قبل مبعوث “حزب الله”، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، هو الذي عجل بتشكيل الحكومة، أنهت مساعي “حزب الله” خلافاً استمر عاماً بين اثنين من رؤساء الوزراء السنيين المكلفين، سعد الحريري ونجيب ميقاتي من جهة، وبين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة أخرى”.
وأوضح أن “الشلل الذي كان حاصلاً لم يُبرز سوى عدم أهمية كلا الجانبين، على عكس “حزب الله” بإعتباره الحكم النهائي”.
تابع بدران: “لا يسيطر “حزب الله” فقط على الحكومة الجديدة، كما فعل مع الحكومات السابقة في لبنان، بل يمتلك هو وحلفاؤه المباشرون أيضاً ثلثي الحقائب السيادية. أي الوزارات التي قرر “حزب الله” الاحتفاظ بها، إما بشكل مباشر أو من خلال حركة “أمل” حليفته الشيعية. من يطلع على تلك الوزارات يستطيع معرفة ذلك”.
ولفت الى أنه “على الرغم من أن الحريري وميقاتي انتهى بهما الخلاف مع عون وباسيل على الوزارات لأكثر من عام، فقد حصل “حزب الله” على المناصب الرئيسية التي أرادها في الحكومة منذ البداية”.
وقال: “قبل عام، وبينما كان اللبنانيون والفاعلين الخارجيون يستمتعون بالحديث عن حكومة “مستقلة” و”تكنوقراطية”، وضع “حزب الله” شروطه، التي تضمنت إبقاء وزارة المالية في أيدي الطائفة الشيعية، حصل ذلك بالتنسيق حليفه (حزب الله) رئيس مجلس النواب نبيه بري، عيّن بري يوسف خليل مدير العمليات المالية السابق في مصرف لبنان، وسرعان ما وافق الرئيس عون ورئيس الوزراء السني المعين (ميقاتي)”.
أضاف بدران: “هذا وإنضمت الأطراف الخارجية أيضاً، مثل فرنسا الى تشكيل الحكومة الجديدة، من المعروف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلق مبادرة العام الماضي للضغط من أجل حكومة لبنانية جديدة، لكن ماكرون كان ينظر دائماً إلى “حزب الله” على أنه محاوره الأساسي في لبنان، بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب 2020، زار ماكرون لبنان والتقى بمسؤولين في “حزب الله”، وبحسب الصحافة الفرنسية ، عرض ماكرون الدخول في شراكة مع “حزب الله” في لبنان: “أريد أن أعمل معكم (حزب الله) لتغيير لبنان”.
إضافة الى “التحدث مع “حزب الله”، تواصل ماكرون شخصيا مع رعاة الحزب الإيرانيين”.
هذا، ويعتقد بدران أن “ماكرون يبدو أنه قد توصل إلى حقيقة أنه نظراً لأن “حزب الله” وإيران هم اللاعبون المهيمنون في لبنان، فإن الشراكة معهم شرط أساسي لتعزيز المصالح الفرنسية – الجيوسياسية والتجارية على حد سواء”.
وزعم بدران، أنه “إضافة إلى استثماراتها الحالية في التنقيب عن الغاز البحري في لبنان، تتطلع فرنسا أيضا إلى مشاريع أخرى. في أيلول 2020، وخلال زيارته لبيروت، رافق ماكرون رودولف سعادة ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة CMA CGM Group – سي إم أيه سي جي إم” الفرنسية العاملة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، تدير إحدى الشركات الفرعية التابعة لها، تشغيل الميناء السوري لمحطة حاويات اللاذقية منذ عام 2009، وهي تسعى (سي إم أيه سي جي إم”) الى إعادة بناء مرفأ بيروت”.
وقال: “بناء على ذلك، يتضح الهدف وراء إختيار “حزب الله” للوزارات في الحكومة الجديدة، بعد تولي وزارة الصحة العامة في حكومتين متتاليتين، اختار “حزب الله” التخلي عن تلك الحقيبة مقابل وزارة الأشغال العامة والنقل، التي تشرف على المرفأ، علاوة على ذلك، فإن وزير الأشغال العامة والنقل الجديد علي حمية، يحمل الجنسية الفرنسية أيضا”.
في الواقع، وبحسب بدران، ذهبت بعض الأوساط الإعلامية اللبنانية إلى “حد الإشارة إلى أن ترشيح حمية يمثل نقطة تقاطع بين فرنسا و”حزب الله””.
وأضاف بدران: “لا تتعارض السياسة الفرنسية في بلاد الشام مع السياسة الأميركية، في الواقع، قامت السفيرة الأميركية في لبنان ونظيرها الفرنسي بزيارة السعودية في (تموز) الماضي، لحث المملكة على إعادة الاستثمار في النظام الذي يهيمن عليه “حزب الله” في بيروت، وبالمثل، حاول وزير الخارجية الأميركي ونظيره الفرنسي الضغط على السعوديين بشأن هذه المسألة”.
ورأى أن “موقف الولايات المتحدة محدد بشكل كبير من خلال سياسة إعادة الاصطفاف مع إيران وسياستها تجاه لبنان. يتلخص تصور الولايات المتحدة في لبنان في منع “انهيار الدولة” من خلال الاستثمار في “تعزيز مؤسسات الدولة”، وهو ما تؤكد واشنطن أنه “يتعارض مع رواية حزب الله”، ما هو واضح هو أن سياسة دعم “دولة” يديرها “حزب الله” هي، سياسة موالية لإيران”.
وختم بدران بالقول: “تكذب شراكة فرنسا الناشئة مع “حزب الله” التظاهر الأميركي بالتمييز بين “حزب الله” وبين “دولة لبنانية” متميزة، في بيانها الذي رحب فيه بإعلان الحكومة الجديدة، لم تذكر وزارة الخارجية “حزب الله” ولو مرة واحدة، على الرغم من موقف الحزب العلني والحاسم في تلك الحكومة. ومع ذلك، تعهدت إدارة بايدن بدعم الحكومة الجديدة. بعبارة أخرى، يدرك الجميع الآن أن التعامل مع “الحكومة اللبنانية” يعني العمل مع “حزب الله””.