كتب محمد ناصرالدين في سكوبات عالمية:
في أم الحضارات و ارتقاء الاديان و بزوغ الانسانية ، في محور كوكب بني البشر ، خُلق الانسان بأصنافٍ لا يحصاها إلا الله .و الحكمة اوجدت الاختلاف في الشكل و الفكر و حتى الإنسانية.
للازمات أم ولادة ، و أم ازماتنا في البلاد العربية هي التعددية أو بالاحرى هي “الفشل الذريع في إدارة التعددية”.
فما كانت الالوان يوماً عامل بؤسٍ في الحديقة و ما كان قوس قزح جميلاً إلا بتراص ألوانه المختلفة .و العام لولا فصوله المحتلفة لكان مملاً باهتاً. في كل المخلوقات كان التعدد والاختلاف هو سمة الجمالية و المثالية معاً …ماذا عن الإنسان الذي قيل أنه يملك عقلاّ ؟!
أساء الإنسان لكل شيء ، أساء لنفسه و لبعضه و لغيره ترى في التواريخ محطات بؤس و لحظات غير إنسانية خلفها الإنسان …
و في اصل كل حكاية “كان الاختلاف سببا” لن نعود بالتاريخ بعيداً ،فطمس الاختلاف كانت سمة كل الشعوب حتى نهاية الحرب العربية الثانية ،يومها ، غرّدت أوروبا برُقيها نحو الادارة السلمية للاختلاف و التنوع و التعددية بين الشعوب.لكن بعد ماذا؟ بعد ان أظهر الإنسان أنه اكثر الحيوانات افتراساً و أقلهم خيراً .
بالدم أوجدت أوروبا حلولاً للتعددية خصوصا في أوروبا الوسطى و الشرقية …هل للعرب المصير نفسه؟ أو مصير أقل دموية؟!
بين الحين و الحين نفسه . تلد التعددية مئات المشاكل هنا و هناك ، بين الناس و بين الشعوب و في الصراع على الحقائب و السلطة و الموارد . كل شيء يتناحر في البلاد العربية ، من بيروت و حربها الاهلية الطائفية إلى مصر و الموجات الساخنة بين المسلمين و الاقباط مروراً باقتتال الشيعة و السنة في اليمن و خلافهم في البحرين و همجية التطرف في العراق و للأمثال بقية ….
ماذا عن التعددية الدينية و غيرها؟أما طال وجودنا في مستنقع الاختلاف و الألم ؟ما السبيل نحو طمس غريزة الانانية و احتضان الاختلاف تحت سقف زمني أو حتى ديني للدولة ؟
إن استيراد الفكر و الموسيقى و الموضة من أوروبا جعل الامة تركد مكانها ، جهلها عقيمة الفكر شديدة التكاثر ، خطوات الرجعية كانت ترهول و الزمن كان اسرع مما تصور الذين يعيشون على أصالة ماضينا و تراثنا .
و ما كانت القسرية حلاً أيضا بقدر ما كانت كـ “صب الزيت فوق النار” .
و بالطبع الحل ليس في خطابات الاكاديميين و نداءات حقوق الانسان و غيرها من صفائح الكلام التي غمرها الغبار كما غمر معظم مكتباتنا في العالم العربي .
لا شاك أن الواقعية هي الحل الأمثل ، لان أفضل الحلول ليس اجملها بل الحل القابل للتطبيق . و من هنا يجب ان نستفيد من التجربة الغربية لا ان نستنسخها و يجب أن نأتي الحوار مدركين مقتنعين أن سنيننا العجاف سببها أنانية بعضنا ، و أن لا أمامنا سوى الاحتضان الطوعي لكل اختلافاتنا العقائدية و الفكرية ، فاحتكاك الفكر بالفكر وحده الذي ينتج الحضارة المشرقة للشعوب ، و اعتزال الجماعات بعضها ، يعني انحلال المجتمع و اضحلال الأمة . أنا الاحتضان القسري الذي عرفته بعض مناطق الخليج بدأ القلق و التوتر يتسلل إليها.
من عدالة الحلول يجب ان تبدأ مسيرة الالف ميل نحو اوطان يُحذف من قيدها أي خانة تُفَرِّق بين مواطن و آخر
هي مصائرنا ، لن تغفر الاجيال لمن ابادها و لن يشفع التاريخ للذي أساء لصفحاته . فبعض الإنسانية في القلوب كافية لاستئصال “أم الأزمات من النفوس و الأمم” .