في بيروت، إحتفالات بالنصر وكسر شوكة الإستعمار والإمبريالية والإنعزال “على مدّ عينك والنظر” بطول طابور الصهاريج ، التي عبرت الحدود ، بحمايةٍ أمنية ، إلى “دولة الدويلة”، إيذاناً بالقوافل التي ستمتدّ لأيام. أمّا في بروكسل وباريس والرياض، حساباتٌ من نوع آخر، بعد سلسلة صفعات وجهها الأميركي دفعةً واحدةً ، ويصعب حالياً تقدير حجم ومدى أضرارها قبل أن يستعيد الأطراف توازنهم .
ففيما كانت الحكومة اللبنانية تجتمع لإقرار بيانها الوزاري، المربوط “بحبل صرّة ” الخارج ببنوده كافة، والتي باتت خارج الزمان مع التطورات الدراماتيكية خلال الساعات الماضية، كان ثمة من باشر “خطةً خبيثة”، خطوطها رفع الدعم “ولمّ دولارات الناس”، بعدما اتفق المعنيون على تقاسم المليار ومئة مليون القادمة من صندوق النقد الدولي على ما درجت عليه العادات اللبنانية.
واذا كان من الواضح أن شخصية وزراء الحكومة، وتصرفاتهم حتى الساعة، فضلاً عن مواقف “رئيس التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وهجومه المفاجئ ضد إستيذ عين التينة وشيخ بيت الوسط، فإن صورة الخارطة الدولية والإقليمية بدأت تتضح أكثر فأكثر، بعد الغموض والشائعات التي أُثيرت عن المواقف الأميركية والخليجية، والإنعطافات والإنتصارات الوهمية، ومن أبرز تلك النقاط:
-أوّل دخولها استُقبلت الحكومة إذاً، بقافلة صهاريج إيرانية “طولها”، فالضربة التي وجّهها “حزب الله” للحكومة الجديدة ، وزركها في “بيت اليك الدولي” عبر الخطوة التي قام بها باستعراض إدخال صهاريج المازوت إلى لبنان، وخصوصاً تصريح وزير الاشغال العامة الدكتور علي حمية، المحسوب من حصّة الحزب عن “كسر الحصار الأميركي المفروض على لبنان”.
-خطوة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وخطوته المتقدمة بإصدار مذكرة توقيف غيابية بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، ورمزيتها السياسية لجهة الطرف الذي تطاله بعيداً عن حدود زغرتا من جهة، وتكليف المديرية العامة لأمن الدولة إحضار رئيس الحكومة السابق حسان دياب إلى التحقيق من جهة أخرى. كل ذلك مقابل الحملة التي بدأت للنيل من القاضي طارق بيطار، في مسألة تسديد قرض مستحق والذي تقف وراءه جهة معروفة، علماً أن المطّلعين على الملف، يذهبون إلى حد القول “يخيّطوا بغير هالمسلّة وليقرؤا جيداً توصيات البرلمان الأوروبي”.
-توصيات البرلمان الأوروبي، الذي بذلت فرنسا جهوداً كبيرة للتخفيف من وطأتها وسقفها، مقابل ضغط أميركي واضح، برز من خلال انقسام دول الإتحاد خلال النقاشات، والذي انتهى إلى أمرين أساسيين، الأول، اعتبار “حزب الله” مسؤولاً عن الأزمة اللبنانية الحالية والأوضاع التي وصلت إليها البلاد، والثاني، تحميل الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية تعطيل التحقيق في جريمة المرفأ، ما سيكون له تداعيات مستقبلية خطيرة وكبيرة، خصوصاً مع ربط الأمرين بمسألة فرض عقوبات.
-“فقدان” الرئيس إيمانويل ماكرون لأعصابه وحديثه عن خيانة، بعد إبرام صفقة أميركية-بريطانية-أسترالية، أطاحت “بالحلم ” الفرنسي، حيث أدركت باريس أنها وقعت في فخّ “ما إلو ربّ”، وصل إلى حد اعتبار الرئيس جو بايدن صورةً عن دونالد ترامب. كل ذلك بعدما فرح طبّيلة المقاومة وزقّيفة الممانعة بإنجاز “توتال” العراقي والحكومة اللبناني، ليتبيّن عملياً أن لا “قبّة باط” ولا علاقة لأميركا بصفقة باريس-طهران-حارة حريك.
-الموقف الخليجي الواضح بعدم رغبة السعودية بإبداء أي تعاون مع لبنان أو تقديم أي دعم، بل على العكس ، قد يظهر في الأسابيع القادمة، توجّهٌ إلى مزيد من التعقيدات في العلاقة مع بيروت على خلفية أكثر من ملف بدأت غيومه تتجمّع في السماء اللبنانية.
-توجه أميركي واضح تعبّر عنه قيادات في واشنطن، حيث الحديث عن استمرار السياسية الأميركية تجاه لبنان في نفس سياقها السابق، بل تتجه إلى مزيد من التشدّد وفقاً للملفات المطروحة، وإن موقف إدارة الرئيس بايدن في موضوع المحروقات والنفط بشقيه الإيراني والعراقي، والغاز المصري عبر سوريا تمت قراءته في غير مكانه الصحيح، وإن الإدارة الاميركية الحالية تركّز على مسألة تمرير الإنسحاب من أفغانستان داخلياً، قبل إعادة إدارة محرّكاتها على الساحة اللبنانية، الذي بات حالياً محصوراً بوكالة المخابرات الأميركية التي فعلت عملها في بيروت بشكل كبير.
-معلومات عن إتجاه اميركي لوقف العمل بمنصّة فيينا للمفاوضات النووية مع إيران ونقلها إلى الأمم المتحدة، ما أثار حفيظة الجمهورية الإسلامية التي اعتبرت أنها وقعت ضحية مكيدة بواسطة فرنسية. أضف إلى ذلك طبيعة الوفد الإيراني المفاوض الجديد، والمؤلف من أشخاص معروفين بتشدّدهم الكبير حول الملف النووي..
-الزيارة المفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، والتي قيل إنها لتلقّي التهاني بإعادة انتخابه رئيساً، مباشرةً بعد أيام من القمة التي جمعت وزيري خارجية إسرائيل وروسيا، والتي خرج بعدها الوزير سرغي لافروف بموقفين لافتين، الأول موجّه لإيران، والثاني لدمشق، وفي الإثنين تغيير واضح لقواعد اللعبة في المنطقة وللتوازنات القائمة، وفي صلب هذه الصورة تقع زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا.
“تقليعة ” ممتازة لحكومة “العزم” التي لن تكتمل سعادتها، بحسب ما هو ظاهر حتى الساعة من معطيات، تدلّ على أن “آخرتها” لن تطول قبل أن تسلّم الروح إلى من خلقها…. أكيد أن لا سلبية في ما تقدم، بل على العكس هو إيجابية مفرطة بقرب الحل في لبنان، بعدما بات هناك هدف واضح للتصويب عليه ….حسب الشاطر حسن.