لا يعكر صفو فرحة انخفاض سعر الصرف سوى أمرين: الخوف من صعوده مجدداً وتجاوب الأسواق البطيء في تعديل الأسعار. فالانخفاض من حدود 19 ألف ليرة إلى 14 ألفاً ما هو في الحقيقة سوى تراجع بنسبة 26 في المئة، وهي النسبة نفسها التي تراجع بها الدولار غداة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة قبل نحو 14 شهراً، حيث انخفض سعر الصرف وقتذاك من حدود 9000 ليرة إلى 6500 ليرة أي بنسبة 26 في المئة أيضاً. وعليه فان الانخفاض المحقق اليوم ليس “هجنة” من حيث الحجم، أما في المضمون فالانخفاض مبني على تسعيرة “المنصات”، ومن حق المتابعين والخبراء اتهام الأخيرة بتخفيض السعر اصطناعياً لغايات سياسية، كما جرى اتهامها في أوقات التعطيل برفعه للغايات نفسها.
إذا استثنينا الإيجابيات المعنوية بتشكيل الحكومة، وتوقف مصرف لبنان عن هدر الاحتياطيات على الدعم وتعزيزها بـ 1.135 مليار دولار المتأتية من صندوق النقد، فلا شيء لغاية اللحظة يدعو للتفاؤل لأنّ الوعود التي أطلقت بالاصلاحات تحتاج إلى مراسيم تطبيقية على الحكومة أن تتخذها في ظل إجماع وطني. وهو الأمر الذي لا يبدو لغاية اللحظة متوافقاً عليه. كما أن رفع الدعم، وحتمية زيادة أجور الموظفين في القطاع العام، وبدء الدولة التفاوض على تسديد ديونها وإمكانية تسديد الودائع بالعملة الأجنبية بسقف أعلى من 3900 ليرة… كلها عوامل ستزيد الطلب على الدولار. وفي ظل تراجع المعروض فان سعر الدولار سيعاود الارتفاع حتماً. هذا بالطبع إذا لم يؤخذ في الحسبان إمكانية التعطيل الداخلي للحكومة وعجزها عن العمل والانتاج كسابقتها.
انطلاقاً من كل ذلك يدعو الخبراء إلى التعامل بحذر مع انخفاض سعر الصرف. وهم لا يشجعون من ليس بحاجة إلى الليرة للتخلي عن دولاراته، فسعر الصرف يشبه “فيلاً” في غرفة مليئة بـ”كريستال” الأوضاع المعيشية، وكيفما تحرك صعوداً أو نزولاً سيلحق أضراراً جسيمة بالمواطنين، خصوصاً أن الاسعار بالليرة اللبنانية لا تنخفض بالنسبة نفسها التي ترتفع فيها عندما يحلق سعر الصرف صعوداً… وعليه يبقى دولار “بالإيد” أفضل من 14 ألف ليرة معلقة على “شجرة” الوعود.
المصدر : نداء الوطن