يفترض أن يكون على جدول أعمال الحكومة الجديدة، مسألتان ملحّتان: البيان الوزاري وحقوق السحب الخاصة. في البند الأول، بدأت ملامح برنامج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تتظهّر وبدايتها رسم خطّ أحمر حول المصارف عبر تلغيم العبارات وتعديل المصطلحات المعتمدة في خطة الحكومة السابقة المُعدّة للتعافي المالي. فيما ثمة تجاهل بالكامل لمبلغ مليار و135 مليون دولار يفترض أن يصل إلى حسابات مصرف لبنان بعد يومين، وضوء أخضر ضمني لرياض السلامة لاستخدامه كما يراه مناسباً.
في الصورة التذكارية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الكلّ بدا مبتسماً. سريعاً، تلاشت البسمة خلال الاجتماع الأول للجنة الوزارية المكلفة صياغة البيان الوزاري، مع تدافع الوزراء الجُدد للمشاركة فيها ورفض البعض عدم إيراد اسمه. باستثناء وزير الاقتصاد الذي لم يبالِ باستبعاده رغم أنه يفترض أن تكون له أفضلية طبقاً لتركيز البيان الوزاري على الناحية المالية والاقتصادية. على أن خطوط البيان الوزاري العريضة لم تنتظر الاجتماع الأول، بل سبق لميقاتي أن أعدّ مسودة جرت مراجعتها في الجلسة، وخصوصاً بعد تمنّي رئيس الجمهورية ميشال عون تضمين البيان «خطة التعافي التي أقرّتها الحكومة السابقة، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها واستكمال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت والإسراع في خطة مكافحة الفساد، كما استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومتابعة تنفيذ خطة البطاقة التمويلية ووضع خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي والعمل على عودة النازحين السوريين، واستكمال وتنفيذ خطة الكهرباء كتنفيذ مقررات سيدر وخطة ماكينزي الاقتصادية، بالإضافة الى ما ورد من إصلاحات في المبادرة الفرنسية». وبالفعل، أضيفت بنود من اقتراحات عون؛ ومن بينها المبادرة الفرنسية ومقررات مؤتمر سيدر وخطة ماكينزي. إلا أن ميقاتي تعمّد تلغيم مصطلح «إعادة هيكلة القطاع المصرفي» باستبداله بمصطلح حمّال أوجه لا يخدم سوى المصارف وهو «إعادة إصلاح القطاع المصرفي». ثمّة ما يثير الريبة هنا، وخصوصاً أن عبارة «إعادة هيكلة القطاع المصرفي» واردة في خطة التعافي المالي، وبالتالي تَقَصّد فريق رئيس الحكومة ذكرها من خارج الخطة، ثم تبديل العبارة. هذا الأمر يطرح علامات استفهام حول موقف الكتل السياسية من هذا التعديل الذي أضافه ميقاتي، بما يوحي بوجود مشروع خاص لإنقاذ المصارف كما هي، على حساب المجتمع طبعاً، من دون أي توجّه لإعادة هيكلة القطاع بما يضمن إخراج المصارف المفلسة من السوق ودمج بعضها، وضمان إعادة تشغيلها برؤية جديدة تضمن خدمة الاقتصاد وتحقيق الأرباح، لا تحقيق الأرباح على حساب الاقتصاد. ويفترض أن يكون هذا الموضوع على طاولة النقاش اليوم خلال اجتماع اللجنة الثاني، والتي تضم الى جانب ميقاتي، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزراء: التربية عباس الحلبي، الإعلام جورج قرداحي، العدل هنري خوري، المالية يوسف خليل، التنمية الإدارية نجلا رياشي عساكر، الداخلية بسام مولوي، الطاقة وليد فياض، الثقافة محمد مرتضى، العمل مصطفى بيرم، الزراعة عباس الحاج حسن، الشؤون الاجتماعية هكتور حجار والمهجرين عصام شرف الدين.
في موازاة ذلك، تبلّغت وزارة المالية من صندوق النقد الدولي تسلّم لبنان نحو مليار و135 مليون دولار بدل حقوق السحب الخاصة (SDR)، وذلك عن العام 2020 بما قيمته 860 مليون دولار، وعن العام 2019 بما قيمته 275 مليون دولار، على أن يودع في حساب مصرف لبنان. ما يعني فعلياً أن مبلغ مليار و135 مليون دولار سيودع في حسابات البنك المركزي الذي يحكمه رياض سلامة، أحد المشتبه فيهم محلياً ودولياً بقضايا تزوير واختلاس وتبييض الأموال. وبعدما كان مرجحاً أن تشتري قطر وحدات السحب نتيجة اتصال بين سلامة ووزير المال القطري، تردّد أخيراً أن إحدى الدول غير العربية وافقت على طلب لبنان استبدال وحدات السحب بالدولارات. وقد بدأ حاكم المصرف المركزي، حتى قبيل وصول هذه الأموال، بتبديدها وإطلاق وعود للمسؤولين لدفع 300 مليون دولار منها لدعم الدواء ومبلغ مماثل للبطاقة، كما لو أنها أموال شخصية يتصرف بها كما يريد. وثمة من أعطى سلامة ضمنياً الضوء الأخضر عبر عدم المبادرة الى إعداد خطة بالأولويات الضرورية، وعبر عدم دعوته المسؤولين المعنيين الى النقاش في هذه المسألة. فمبلغ مماثل كفيل بتغطية كلفة إنشاء معمل كهرباء يسدّ حاجة لبنان. فالمتعارف عليه في عمليات بناء المعامل أن كلفة كل ميغاواط تساوي نحو 700 ألف دولار، أي يمكن إنشاء ثلاثة معامل بقدرة إجمالية تصل الى ألف ميغاواط بـ 700 مليون دولار فقط، ما سيساهم في حلّ أزمة الكهرباء. يُضاف إلى ذلك أن المبلغ المتبقي، في حال إضافته إلى قرض البنك الدولي المخصص لمشروع النقل العام، يكفي لشراء آلاف الباصات القادرة على تأمين النقل في جميع المناطق اللبنانية، بما يضمن خفض كلفة النقل على السكان، ويوفر جزءاً من الأموال التي تُنفَق لاستيراد البنزين. يتطلب ذلك إرادة جدّية للحكومة الجديدة في معالجة أسباب الانهيار والتخفيف من معاناة الناس وإنهاء أزمة الكهرباء التي دامت عقوداً، بدل اللجوء إلى الاستدانة من أجل بناء معمل للكهرباء، أو إنفاق أكثر من مليار و100 مليون دولار لتمويل الاستيراد، أو تركها في عهدة رياض سلامة ليهديها لأصحاب المصارف تحت عنوان «إصلاح القطاع المصرفي».
الاخبار