لا مؤشرات اقتصادية وعلمية واضحة حتى الآن تؤكد استمرار انخفاض الدولار بهذا المنحى التراجعي بالرغم من تشكيل الحكومة.
أقلعت طائرة الرئيس نجيب ميقاتي الحكومية بعد 46 يوماً على التكليف و 13 شهراً على الفراغ الحكومي، وعلى متنها تحديات اقتصادية ومالية عدة أبرزها ملفات الدعم والدولار والبطاقة التمويلية. فبعد رحلة طويلة وعسيرة من المفاوضات والنقاشات، أبصرت الحكومة الجديدة النور وعلى عاتقها حمل ثقيل وتركة كارثية وضعت لبنان واقتصاده في انهيار تاريخي.
أجواء يوم التشكيل انعكست مباشرة على سعر صرف الدولار الذي شهد انخفاضاً ملحوظاً من 18000 ألف ليرة لبنانية صباحاً إلى 17000 ألف ليرة ظهراً، وصولاً إلى 15500 ألف ليرة بعد الإعلان عن التشكيل وتهافت اللبنانيين على بيع دولاراتهم، قبل أن يعاود الارتفاع من جديد.
وفي حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، أشار رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل، إلى أن سعر صرف الدولار في السوق الموازي ليس مبنياً على العرض والطلب إنما على دخول المضاربين إلى السوق والتلاعب بسعره، مستغلين دخول لبنان في فراغ مؤسساتي وحكومي من أجل جني أرباح طائلة عبر بيع الدولار في ظل وجود منحى دائم ومعطيات متجددة باستمرار هذا الفراغ، الأمر الذي سمح لهم بالتحكم مباشرة بسوق الدولار، وبالتالي، فإن سعر الصرف اليوم هو سعر اصطناعي وليس حقيقياً. ورأى غبريل أن تعبئة هذا الفراغ عبر تشكيل الحكومة بعد مخاض طويل أطاح بكل توقعات ارتفاع الدولار وطبع المزيد من الليرة وشطب ثلاثة أصفار من العملة الوطنية قبل أيام قليلة، وهذا ما يؤكد على أن السوق يتحكم به المضاربون والمتلاعبون بسعر الصرف وليس العرض والطلب.
ولدى السؤال عن أدنى مستوى يمكن أن يسجله للدولار، رفض غبريل الإجابة تماماً كما كان يرفض توقع المنحى التصاعدي لمساره لأن في ذلك خدمة للمضاربين، مشيراً إلى ضرورة انتظار الخطوات التي ستقوم بها الحكومة وعدم الدخول حالياً في تكهنات الأرقام. ورأى غبريل أن شح تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان منذ أيلول العام 2019 وحتى اليوم لأول مرة منذ 25 عاماً أوجد السوق الموازي للدولار، معتبراً أن أحد أهداف الحكومة الرئيسية يجب أن يكون توحيد أسعار سعر الصرف من خلال تطبيق آلية محكمة يلغي هذا السوق، فضلاً عن استعادة الثقة والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإعادة ضخ السيولة في الأسواق اللبنانية.
وبحسب غبريل، صحيح ان الحكومة قد تشكلت، إلا أن السوق الموازي سيبقى هو المتحكم في سعر الدولار طالما لا يوجد آلية لتوحيد سعر صرفه وقرار من أجل تطبيقها، مشيراً إلى أن هذه الآلية يجب أن يضعها مصرف لبنان مع الحكومة الجديدة ممثلة بوزير المالية، لا سيما وأنها من ضمن الإجراءات الرئيسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، بالتوازي مع بدء إجراء المفاوضات معه بهدف الوصول إلى اتفاق تمويلي إصلاحي. ولدى توقيع هذا الاتفاق، يتم تحديد توقيت معين لتطبيق هذه الآلية من أجل توحيد سعر الصرف على أن يكون التاريخ مؤاتياً لذلك لأن الظروف الراهنة والسائدة اليوم لا تسمح بتطبيق آلية كهذه في ظل جمود سياسي وانعدام الثقة في الأسواق. فالإقدام على هذه الخطوة تتطلب تنفيذ الإصلاحات اللازمة، وتحرير صندوق النقد للأموال المتفق عليها تدريجياً، وبدء مصرف لبنان إعادة تكوين احتياطه من العملات الأجنبية، عندها تنضج الأجواء الإيجابية المواتية لتطبيق آلية تحرير صرف الليرة (عدم وجود سعر صرف ثابت على الـ 1507 ليرة)، ويتم إلغاء السوق الموازي ويصبح السوق الرسمي هو من يحدد سعر الدولار، ويستطيع حينها مصرف لبنان التدخل من أجل لجم التقلبات الحادة.
لا مؤشرات اقتصادية وعلمية واضحة حتى الآن تؤكد استمرار انخفاض الدولار بهذا المنحى التراجعي بالرغم من تشكيل الحكومة الذي خفّض سعر الصرف إلى ما دون الـ 15000 ألف ليرة. عناوين عريضة واستحقاقات كثيرة ستكون على طاولة الحكومة الجديدة، وامتحان الدولار إن أرادت النجاح به سيكون رهن قرارتها الإصلاحية المالية والنقدية وخطواتها الفعالة لناحية إعادة إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي واسترجاع الثقة بالقطاع المصرفي وكيفية تعاملها مع الملفات المعيشية المصيرية. فهل ستقوى حكومة ميقاتي على التنفيذ بعد التشكيل؟