13 شهراً، 3 تكليفات، 13 زيارة إلى بعبدا، 3 وسطاء، ثلث معطّل أو من دون، إجتماع الترويكا. هو سرّ الرقم 3 معطوف عليه ضغط دولي وداخلي، تتداخل فيه المصالح والصفقات الإقليمية والدولية الممتدّة من باريس إلى طهران، فخرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري، وأصبح للبنان حكومة ميقاتية “يا ما شاء الله”، بما فيها من الولاءات والإنتماءات السياسية ما يكفي ويزيد.
فمن يعرف ميشال عون جيداً، ومن التقاه أخيراً، أدرك جيداً أن الرجل كان أكثر صلابةً وإصراراً على إسقاط”مبادئه” على أي تشكيلة حكومية، وهو ما عبّرت عنه تغريدة “الإنتصار” لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ضمناً، بعدما حرمه “تريو” الفساد من أن تُبصر حكومة العهد الأولى النور، والتي بقي ينادي بها، حتى مع اقتراب موعد عودته إلى الرابية. هكذا، وبعدما فشل الأصدقاء ومَن حولهم، في تشكيل الحكومة، عادت الطابة إلى ملعب “الصهرين”، الموضة التي درجت مع الجمهورية الثانية، فكان حوار الواسطة بين الأصليين، صهرين كرّسهم الوسيط الفرنسي، بعدما رفض ميقاتي لقاء باسيل، وخروج اللواء عباس ابراهيم من الحلبة.
وإلى عادة “الأصهرة”، كُرّست بالأمس ظاهرة دموع رؤوساء الحكومات إلى سجلّ إنجازات الجمهورية الثانية الإنسانية، على وقع شعارات وأحاسيس نجيب العجيب الجيّاشة، والواعدة بشد أحزمة، وكلام “بِحَنِّن” في الشكل ولكن “بجنّن” في المضمون، داعية “لرحمة من في الأرض ليرحم من في السماء”، وكأنه غريب عن أورشليم، حيث الشعب في واد واحتفالات وزرائه “المِش مصدّقين” في وادٍ آخر.
قد يعتقد كثيرون أن الإنجاز الحكومي معجزة من عند الله، فيما هو صراحة عبارة عن تقاطع عوامل داخلية وخارجية، أبرزها حصول رئيس الجمهورية ميشال عون، على ما اصطُلح على تسميته بالثلث الضامن “وحبّة مِسك” وفقاً للناطق بإسم “سندباد”، وما أكده نجيب العجيب نفسه بأن “ثلث الحكومة معه ويلّلي مش عاجبه يفلّ”، مقابل منح “التيار الوطني الحر” الثقة المسيحية للحكومة، وضغط “حزب الله” على عين التينة، الذي أنتج تراجعاً تكتياً للأستاذ، خلافاً للإعتقاد السائد أن ضغط الحارة بإيعاز إيراني مورس ضد جنرال بعبدا وصهره. أمّا خارجياً، فهي لحظة إعادة واشنطن تجميع أوراقها بعد الإنسحاب من أفغانستان، دون أن يعني ذلك تغييراً في استراتيجيتها في لبنان، ونفاذ باريس عبر طهران إلى ملف الحكومة، حيث يتبنّى الرئيس إيمانويل ماكرون سياسته الخارجية في لبنان على تحالف مع “الشيعة” يسمح له بتحصيل بعض الأوراق مستقبلاً في زمن التسوية الكبرى.
عليه، ووفقاً لتلك القراءة فإن الرابحين داخلياً هم، رئيس الجمهورية وحزب العهد، الذي نجح بالمثابرة في تحقيق مطالبه، الرئيس ميقاتي الذي نجح حيث فشل الشيخ سعد، ولكن نجاحاً تكتياً ليس أكثر، وأخيراً “حزب الله”، الذي باع الفرنسيين ورقة الحكومة من جهة، وأراح نفسه “من القواص الذي أصابه طوال الفترة الماضية” من جهة أخرى، وأخيراً المنظومة نفسها التي أعادت إنتاج نفسها، ليعود الوضع تماماً إلى ما كان عليه الإصطفاف السياسي والشعبي عشية ثورة 17 تشرين.
أماً خارجياً، فقد ربحت فرنسا نصف مبادرتها، أمّا واشنطن فوقتاً إضافياً، والأهم هدفاً أساسياً للتصويب عليه شعبياً، أمّا طهران، فربح تكتي لا يمكن التعويل عليه كثيراً.
فهل ستقلّع الحكومة؟ وهل ستنال ثقة المجتمع الدولي؟ أمّ أنها مسيّسة ومفخّخة بثلث كما تردّد؟ هل انقلب ميقاتي ضمناً على نادي الأربعة؟ الأيام المقبلة ستحمل الجواب. وهل يعني ذلك أن الشعب اللبناني دخل مرحلة الخلاص؟ الجواب نعم، ولكن ليس “على البارد”. فالحكومة لن يطول عمرها أبعد من رأس السنة الجديدة، وبالتالي، لن تكون حكومة الإنتخابات أو حكومة الفراغ الرئاسي، ومن يظن أن الأمور ذاهبة إلى الحلحلة مخطئ جداً، فالإنفجار الكبير قادم لا محال، إذ لا مساعدات جدية ستأتي، ولا تراجع لسعر الدولار، بل العكس، ولا اتفاق مع صندوق النقد سيحصل.
“وفي حين تراوحت المواقف بين مرحّب ومنتقد من هون ورايح عليكن خير”، “وحيّوا على الفلاح” بعدما صار الفول بالمكيول ، بمعية دعاء أبو مصطفى خلال الساعات الماضية، بعدما “تنهنه” الشعب اللبناني على نار خفيفة، واستفاد تجار الدولار من بورصة التشكيل صعوداً ونزولاً، مالئين الوقت حتى يوم الإثنين ليبدأ الوزراء الجدد مهامهم، ففي العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة…. صحيح أن الكبير والصغير والمقمّط بالسرير يعرف كل ما سبق وقيل فالشمس شارقة والناس قاشعة، ويا فرحة “ما رحّ تطول لمعالي الجُدد” …. نردّد مع الشاطر حسن.