بعد تشكيل حكومته، أو فريق عمله، لم يشأ الرئيس نجيب ميقاتي أن يتوجه إلى اللبنانيين بكلمة مكتوبة معدّة سلفًا، بل أرادها أن تكون نابعة من القلب. وهذا ما حصل. فالكلمة وما تضمّنته صدرت من قلبه المتألم، مع كل متألم، على ما آلت إليه أوضاع لبنان.
وهذه الكلمة، وإن كانت معبرّة عن وجع الناس ومعاناتهم اليومية، لم تخلُ من دمعة صادقة، لم يستطع أن يلجمها، لأن صور المآسي التي يعيشها اللبنانيون إزدحمت أمام عينيه، وبلحظة صفاء لم يستطع أن يكبح هذه الدمعة، التي إختصرت بصدقها وعفويتها وجع الناس، الذين وصلت بهم الحال المزرية إلى حدّ الكفر واليأس والقنوط والإحباط.
هذه الدمعة كانت معبرّة أكثر من أي كلام قيل وسيقال. بهذه الدمعة تبدأ مسيرة الحكومة الجديدة، التي ينتظرها الكثير من العمل، والكثير من الآمال، وإن كانت الأزمات المتراكمة تبدو مستعصية. فأمام إرادة العمل لا شيء إسمه مستحيل، ولا شيء متعذرًا. المهمّم أن تتلاقى الإرادات حول هدف واحد، وهو إنتشال لبنان من الهوة السحيقة، التي وصل إليها لأسباب كثيرة وعديدة.
عندما إغرورقت عيناه بالدموع مرّت بباله مجموعة من الصور المؤلمة والمحزنة، التي نشاهدها كل يوم أمام الأفران ومحطات الوقود. هذه الدمعة، التي لم يستطع أن يحبسها في داخله قالت الكثير. وعكست ما يختزنه هذا الرجل من مشاعر ومن تصميم أكيد على العمل بكل ما لديه من قوة وطاقة على أن يعمل بالتكافل والتضامن مع جميع الذين يريدون الخلاص، وفي أسرع وقت من هذا الوضع الجهنمي.
فالوقت هو للعمل، وليس للجدال العقيم. الوقت المتبقي لا يسمح بكثير من “الدلع” السياسي، وبالتالي لا يجوز لأي كان أن يضع بعد اليوم عقده وعراقيله في طريق فريق العمل هذا، الذي إرتضى أن يكون كرئيسه فدائيًا بإمتياز.
فدمعة الرئيس ميقاتي رسمت لهذه الحكومة الدرب الذي ستسلكه. وهذا يعني أن التوزير في هذه الظروف الصعبة لم يعد يُحسب ترفًا، بل هو بمثابة الحكم على من قِبل بهذه المهمّة بالأشغال الشاقة. لا راحة بعد اليوم. العمل سيكون 24 على 7 أيام.
هذا ما أوحى به الرئيس ميقاتي في أول كلمة له توجّه بها إلى اللبنانيين. وهذا ما يعبرّ عمًا سيتضمّنه البيان الوزاري لحكومة الأمل والعمل، من دون الإفراط في ضخّ وعود لماعّة. فالوضع صعب صحيح، ولكن الحلول غير مستحيلة. وأمام الإرادات الصلبة والحديدية كل شيء يصبح ممكنًا.
المهمّ أنه قد أصبح للبنان حكومة بعد فراغ طويل في السلطة التنفيذية.
وكما قال الرئيس نبيه بري في أول تعليق له وهو خارج من القصر الرئاسي “حي على العمل والفلاح”، يُفترض أن يقولها كل لبناني صادق وصدوق. فكفى ما أضعناه من فرص ومن وقت
المصدر لبنان٢٤ – أندريه قصاص