الحديث عن الإحتياطي الإلزامي الذي هو ملك المودعين (ومع ذلك تحتفظ به المصارف عبر مصرف لبنان ولا تعيده إليهم سواء كان نقدا أو توظيفات) طغى على أملاك أخرى للمودعين هي القروض المعطاة من قبل المصارف للمقيمين وغير المقيمين من أموال المودعين، والتي تحصّلها المصارف وتحتفظ بها مع انها ملك حلال زلال للمودعين مع كل ما يتصل بها من رهونات عقارية أو ضمانات عينية أو غير عينية عن قروض غير مدفوعة ينبغي أن تكون بتصرف المودعين أيضا مع أي مبالغ تحصل من القروض التي ينبغي أن تدفع للمودعين ومعها كل أموال الإحتياطي الإلزامي الموجود لدى مصرف لبنان.
وفي بعض التقديرات ان الجزء بالدولار من هذه القروض للمقيمين وغير المقيمين قد لا تقل عن ٢٦ مليار دولار إذا أضيف إليها الـ١٤ مليار دولار الإحتياطي الإلزامي، سيكون بتصرف المودعين نقدا وعلى مدى سنوات استحقاقات القروض والتحصيلات نحو ٤٠ مليار Fresh دولار يمكن أن يضاف إليها أي ناتج من عمليات Hair Cut من أي فوائد يثبت انها كانت عالية مبالغ فيها بالمقارنة مع معدلات الفوائد السائدة خارج لبنان، وبما قد يصل عندها الى ما يقترب من ٥٠% من مجموع الودائع بالدولار.
كما يمكن أن يضاف الى مبلغ الـ٤٠ مليار دولار مبلغ الـ٣٣ مليار دولار «اليوروبوندز» التي أقرضتها المصارف من أموال المودعين أيضا الى الدولة التي يمكن بل يقتضي أن تردّها أيضا للمودعين من عملية بيع أو خصخصة أو تلزيم عبر الـB.O.T وسواه من موجودات الدولة التي كانت بمثابة ضمانات نالت الدولة مقابلها تلك القروض من أموال المودعين، وهي تشمل قطاعات الأقل في الإيرادات للدولة مثل الكازينو والأكثر عبئا مثل النقل العام والماء والكهرباء، بما يصل عندها الى نحو ٧٣ مليار دولار مضافا إليها بعض الفوائد العالية المبالغة المقتطعة من حسابات الودائع الكبرى والمتوسطة بما قد يصل مجموعه الى نحو ٨٠ مليار دولار تمثل الجزء الأكبر من الإلتزامات بالدولار المتوجبة على المصارف للمودعين.
فهل يمكن لحاكم مصرف لبنان أن يضيف الى موقفه الأخير بعدم المس بالإحتياطي الإلزامي، الطلب الى مجلس النواب إصدار تشريع يتضمن:
أولا: أن كل الإحتياطي الإلزامي البالغ ١٤ مليون دولار حق نهائي لا رجوع عنه للمودعين.
ثانيا: عدم أحقية المصارف باستخدام هذا الحق وإعادته للمودعين في مدة أقصاها تاريخ معين، تكون المصارف بإشراف مصرف لبنان أعدّت لوائح بحسابات الدولار العائدة للمودعين وكيفية دفعها إليهم بموجب صيغة عادلة.
ثالثا: اعتبار القروض المعطاة من قبل المصارف للمقيمين وغير المقيمين وما يتصل بها من الرهونات العقارية وسواها من الضمانات عن القروض غير المدفوعة، حق نهائي لا رجوع عنه للمودعين، كون هذه القروض أعطيت من أموال ودائعهم.
رابعا: اختيار قطاعات معينة عائدة للدولة للبيع أو الخصخصة أو التلزيم بصيغة الـB.O.T أو سواها على أن تكون العائدات للمودعين كجزء من قيمة ودائعهم لدى المصارف.
علما ان مثل هذا الإجراء الذي يعيد للمودعين جزءاً كبيراً من ودائعهم، قد يلقى وكالعادة «اجتهادات» معارضة له بحجة انه يعني تصفية أعمال المصارف التي تقوم أساسا على الودائع والقروض، وان إعادة الودائع والقروض لأصحابها ستؤدي الى وقف العمل المصرفي. والجواب الأول ان الاجتهادات قد تصح في الأحوال العادية التي يكون المودعون خلالها مطمئنين على سلامة وأمان ودائعهم وفي هذه الحال يرحبون باحتفاظ المصارف بها واقراضها بما يؤدي الى أرباح للمصارف وفوائد مجزية للمودعين. أما في الحالة الراهنة حيث الخشية على هذه الودائع بلغت حد اليأس من استعادتها، فليس من باب المنطق أو القانون أو العدالة، ترك ما بقي من هذه الودائع من احتياطي أو قروض ورهونات وضمانات في مهب الرياح المصرفية العاتية التي تعصف بالمصارف ولبنان. وأما الجواب الثاني فهو ان حرص المعترضين على القطاع المصرفي لا يجوز أن يكون أقل من حرصهم على أموال أكثر من مليون ونصف المليون مودع. والجواب الثالث هو ان إعادة هيكلة القطاع المصرفي ينبغي أن تكون بالقوة الذاتية وبقوة الدولة كون العمل المصرفي شأن عام وصالح عام وأمن عام كما هو حال الجيش والقوى الأمنية وهو بالتالي من أسس بناء مقومات ومكونات الدولة وأولوية مسؤولياتها. والجواب الرابع أنه إذا لم يعد لدى الدولة القدرة على القيام بهذه المسؤولية الأساسية فإن هذا لا يعني التعويض عن النقص في هذه القوة بحرمان الشعب اللبناني مما تبقّى من قوته النقدية والمالية والاقتصادية والمعيشية، حيث لا نفع ولا جدوى من دولة أو مصارف يكون فيها «لحم الشعب الحي» هو «كبش الفداء»
المصدر : اللواء- ذو الفقار قبيسي