كتبت مربين وهبة في ” الجمهورية”:
«هل من أوصل الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا بعد غياب، أراد فعلاً إيصاله الى السرايا الحكومية، ام كانت لغاية محدّدة هي بالتأكيد ليست لإيصاله الى هذه السرايا؟. هذا السؤال تهمس به اوساط الرئيس ميشال عون، وتتساءل باستمرار عن السبب الذي يدفع الرئيس سعد الحريري الى القبول بغيره لرئاسة الحكومة، سواء كان ميقاتي او غيره من نادي رؤساء الحكومة السابقين، خصوصاً انّ البعض يعتقد انّ نجاح ميقاتي اذا حصل، سيثبت أنّ العرقلة لم تكن من جانب العهد، وإنما من جانب آخرين.
العارفون بالسجال الحكومي المستتر يلاحظون اعتماد الحريري الإصرار على اتهام العهد وفريقه بعرقلة ولادة الحكومة الإنقاذية، ومن الطبيعي ان يعمد الى إثبات ذلك للداخل كما للمجتمع الدولي، وربما لذلك ارتأى الاعتذار، بعد الضغط الخارجي والتلويح بالعقوبات الاوروبية على جميع المعرقلين. ولذلك بحسب هؤلاء، هو في حاجة الى تكليف غيره ليؤكّد للداخل وللخارج أنّ انسحابه لن يسهّل ولادة حكومة، وانّ تكليف ميقاتي سيشهد السيناريو نفسه.
إلّا أنّ ميقاتي يجيد تدوير الزوايا، ويمتلك من الحنكة السياسية والخبرة الديبلوماسية ما مكّنتاه خلال عشر سنوات من الارتقاء من لقب رئيس «حكومة حزب الله» الى لقب رئيس «حكومة انقاذية»، بمعية نادي رؤساء الحكومات السنّة ومباركة الثنائي الشيعي! بالإضافة الى إجماع خارجي، وهو ما لمّح اليه حين تحدث عن ضمانات دفعته الى قبول التكليف.
وعليه، فإنّ مواكبة مسار تشكيل الحكومة المنتظرة بين عون وميقاتي تُظهر ديبلوماسية الاخير وطول باله في التعامل مع العهد، وهي ربما ميزة سياسية يتقنها دون سواه.
ويتساءل البعض كيف نجح ميقاتي بعد التكليف في كسب ثقة عون، الى درجة جعلت الأخير يقرّ علناً أنّه «شخص من الممكن الحوار معه و»بياخد وبيعطي» ويمكن ان نصل معه الى اتفاق»؟ وهل اللقاءات التي تواصلت بينهما كانت دليل عافية أم اخفت اتفاقات غير معلنة، ولذلك تشابكت السجالات والتسريبات الاعلامية التي بدأت اكثرها تفاؤلية، ولكن الحقيقة بأنّ أصدقها تشاؤمية؟
لماذا التشاؤم؟
ويتساءل البعض اليوم، عمّا اذا كانت الرغبة الخارجية والمفاوضات الدائرة في فيينا، تشكّل فعلاً المانع الأهم لولادة الحكومة اللبنانية، أم انّ عكس ذلك هو الحقيقة؟
واذا تمّ التسليم بهذا الاستنتاج، فلماذا تقصّد وفد الكونغرس زيارة عون برفقة السفيرة الاميركية دوروثي شيا؟ ولماذا سُهّلت الطريق للحكومة وأصبحت سالكة بسحر ساحر الى سوريا؟ والأغرب، انّ التهافت الى دمشق لم يلق ممانعة لدى المعارضة التي اكتفت بالترقّب والصمت، في وقت استعجلت السفيرة الاميركية تأليف الحكومة خلال زيارتها البطريرك الراعي في الديمان، وتشديدهما على الإسراع في تأليف الحكومة.
ويسأل البعض: «لماذا تمّ التجديد لقوات «اليونيفيل» على الرغم من انّ قيادتها اشترطت عدم التجديد في حال لم توافق الدولة اللبنانية على تعديل قواعد الاشتباك وإعطاء «اليونيفيل» صلاحيات اضافية؟..
لذلك، وفي ضوء هذه الوقائع التي يمكن إدراجها في خانة الحلحلة الخارجية لولادة الحكومة، تنتقل الأضواء مجدّداً الى العرقلة الداخلية. فمن هم المعرقلون الحقيقيون؟
اذا تمّ التسليم بما تهمس به دوائر قصر بعبدا من انّ العرقلة ليست من الرئيس المكلّف بل هي ممن يهمس لميقاتي، فهل يمكن ان يكون الهامسون نادي رؤساء الحكومات لغايات في نفس يعقوب؟ أم جهات اخرى مجهولة؟ علماً أنّ تصريحات الرئيس فؤاد السنيورة الاخيرة تحضّ ميقاتي على ضرورة التجاوب مع عون!
ويقول البعض، انّ التبصّر جيداً في المشهدين الاقليمي واللبناني، يكشف مدى الصعوبة في تحديد الجهة المعرقلة للتأليف. إذ انّ الافتراضات كثيرة وجائزة، ولذلك تكثر التخمينات والترجيحات.
وعليه، فالسؤال الذي يطرحه المتابعون لـ «مسلسل التأليف»، هل انّ البعض في البيئة التي ينتمي اليها ميقاتي، يخشى وصوله السرايا الحكومية قبل الانتخابات النيابية بأشهر، وهو يشكّل المنافس الاقوى سنّياً للآخرين في الشمال، خصوصاً انّ الغيوم الرمادية تحوط بتلك الانتخابات بنتائجها في تلك المنطقة، إلى درجة انّه حتى المؤسسات الإحصائية الكبرى مثل «ستاتيستيك ليبانون»، أقرّت بعجزها راهناً عن إحصاء المشهد الغامض انتخابياً في طرابلس، بينما تمكنت من ذلك في كل المحافظات، بعدما وجدت صعوبة في حصر الأعداد المتفاوتة والمتداخلة شمالاً، خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، وتبدّل قوى النفوذ هناك، مع بروز الوجود التركي وآخرين في المشهد السياسي الميداني؟
ويدرك الطرابلسيون اليوم، أنّ المشهد الانتخابي سيتغيّر حكماً في حال نجاح ميقاتي في التربّع على كرسي رئاسة الحكومة. إذ انّ هذا الامر قد يزيد من حظوظه في البورصة الانتخابية، وسيعدّل الـ pointage شمالاً، ما سيحفزه على التقاط اللحظة المناسبة لتوليد الحكومة وعدم الاستسلام او الاعتذار .
ولا يغرب عن بال البعض، أنّ ميقاتي قد يكون امام الفرصة الاخيرة الحكومية والشعبية، فهو يدرك انّ توليه رئاسة الحكومة ليس مهمة إنقاذية للوطن فقط، بل هي فرصة انقاذ شخصية له ايضاً، لأنّ ذلك سيساعده في امتصاص النقمة الشعبية ورفع الـ pointage الانتخابي والشعبي شمالاً، عدا عن كسب الثقة الداخلية سياسياً وخارجياً.