استحوذت التطبيقات الهاتفية الخاصة بالمبادلات النقدية في الأسواق الموازية على اهتمام استثنائي من قبل أغلب اللبنانيين، بهدف استنباط ملامح «الجواب النهائي» بشأن إمكانية تشكيل الحكومة الجديدة من عدمه. ولا يقتصر الارتكاز إلى هذا الاستحقاق على قرار بيع أو شراء الدولار فحسب، إنما محاولة لتحديد وجهة الأزمة المعيشية الخانقة التي يعانونها، وسط قناعات جامعة بأن الحظوظ متقاربة بين الانفراج الممكن والانفجار المحتم.
وعكست التقلبات الضيقة لتسعير الدولار على المنصات عند حدود 18 ألف ليرة، توجّس المتعاملين والصرافين من تكرار تجارب تعميم أجواء إيجابية حول قرب صدور مراسيم الحكومة، لا تلبث أن تصطدم بوقائع مغايرة، وهو الواقع المكرر منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب قبل نحو 13 شهراً، وتخللها تكليف 3 شخصيات بالتأليف. وتحوّل الاستحقاق الدستوري إلى فرصة إضافية لتسعير المضاربات النقدية ولتحقيق أرباح استثنائية لتجار العملات.
وتبدل سعر العملة من نحو 19 ألف ليرة للدولار الواحد قبل الحديث عن انفراجات حكومية، إلى نحو 17800 ليرة في السوق السوداء مع شيوع أجواء إيجابية حول قرب تشكيلها.
واتسمت أحاديث مصرفيين وصرافين، تواصلت معهم «الشرق الأوسط»، بكثير من الحذر بشأن توقعاتهم النقدية، في حال لم تفضِ الاتصالات إلى نتيجة إيجابية، لكنهم توافقوا على التحذير من حدة غير مسبوقة في الفوضى النقدية وتفاعلات فورية قد تقود سعر صرف الليرة إلى شبه الانهيار التام.
وبات فقدان العملة الوطنية نحو 85 في المائة من قوتها الشرائية، على مدى سنتين من عمر الأزمة، سبباً أساسياً في الخلل المعيشي، مع توسع دائرة الفقر لتشمل نحو 3 أرباع السكان، وسط تحذيرات من أن هذا الانحدار قد يطيح بالتوازنات التي تحمي نسبياً الاستقرار الأمني الهش، وتدفع بموجات أعلى من هجرة الكفاءات والمهنيين والخريجين والشباب.
في المقابل، يترقب اللبنانيون بتفاؤل حصول تحولات حاسمة لجهة لجم الفوضى النقدية العارمة وتعدد أسعار مبادلات الدولار في حال تغليب فرص نجاح إعادة انتظام السلطة التنفيذية والاستفادة من الوعود الدولية بالمساعدة واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ويأمل الخبراء في ارتداد سعر صرف الليرة صوب تحسن ملموس قريب من مستوى 16 ألف ليرة للدولار فور إعلان مراسيم التأليف، وهو ما يكفل التخفيف تلقائياً من موجات الغلاء المتفاقمة، بعدما اعتمد أغلب التجار، منذ فترة غير قصيرة، تسعيرة تقارب 25 ألف ليرة للدولار، تحسباً لتجاوزها في حال الفشل.
وفي السياق، نقلت الوكالة «المركزية» للأنباء، عن مصادر مصرفية ومالية مطلعة، أن المسؤولين عن التلاعب بالسوق السوداء سيركنون إلى الهدوء كخطوة إيجابية أولى إثر تشكيل الحكومة المتوقع خلال الـ48 ساعة المقبلة كما يتردّد؛ حيث يتوقع عندئذٍ أن يتراجع سعر صرف الدولار إلى أقل من 15 ألف ليرة، لأن الأجواء الإيجابية ستكون قادرة على لجم أي ارتفاع للدولار، قد يُقدم عليه المتلاعبون بالسوق.
كذلك، لفتت المصادر إلى أن المواقع الإلكترونية التي كانت تشجع على الاتجاه التصاعدي للدولار، ستعدل عن ذلك، في انتظار تسجيل «خطوة سلبية» قد تُقدم عليها حكومة ميقاتي، أو قد تعمد تلك المواقع إلى المضاربة بالليرة اللبنانية تحقيقاً لبعض المكاسب. وبالتوازي، بدا، بحسب مصادر متابعة، أن استحقاق رفع الدعم نهائياً خلال أيام قليلة عن المحروقات، وما سيفرزه من تداعيات مكلفة على قدرات السكان في تلبية الحاجات الحياتية الأساسية، شأن ثانوي، نظير ملاحقة أي تفصيل يرجح إحدى كفّتي الاعتذار أو التأليف على الجبهة الحكومية، ولا سيما أن أي تحسن مفترض لسعر الليرة سيخفف تلقائياً من فوارق الأسعار بعد تحريرها.
ولاحظت المصادر أن تمكين شركات المحروقات من استيراد مادة المازوت غير المدعوم لصالح بعض القطاعات الاقتصادية أثبت جدواه في كبح السوق السوداء، بعدما تبين أن سعر طن المازوت انخفض فعلياً من أعلى مستوياته الذي قارب نحو 25 مليون ليرة، أي نحو 1390 دولاراً، إلى نحو 600 دولار فقط، وبالتالي فإن أي تحسّن إضافي في سعر الليرة سيقلص معه الكلفة على القطاعات، ويفتح الأبواب أمام انضمام قطاعات إضافية لهذه الآلية من دون تكبد الدولة والبنك المركزي أعباء الدعم العقيم.
المصدر : الشرق الأوسط – علي زين الدين