من منّا لا يذكر خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ، خلال أربعينية مصطفى بدر الدين، القيادي الذي قُتل في سوريا؟ يومها، تحدّى نصر الله المجتمع الدولي برمّته قائلاً: “موازنة الحزب ومعاشاته، ومصاريفه، وأكله، وشربه، وسلاحه، وصواريخه، من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران”.
بصريح العبارة، أفصح أمين عام “حزب الله” عن عمق ارتهانه وفريقه للخارج. لم تتوقف السريالية التي يتميّز بها هذا الحزب وجماهيره عند هذا الحدّ. فتراهم اليوم يشنّون حملات ضروس على المجتمع المدني، منتقدين وبشكل ممنهج عمل الجمعيات ومصادر تمويلها، فيما يتغاضون عن ” الدولار الأسود” الذي يُفاخر به هذا الجمهور، أمام المواطنين غير الحزبيين.
منذ فترة، يواظب نصر الله على مهاجمة المجتمع المدني وشيطنته. وتزامناً يجري تحريك الجيوش الإلكترونية الشرسة لمحور الممانعة، من أجل شنّ حملات عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وسرعان ما انضمّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ورئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط، إلى قافلة هذه الحملات التي تطال عمل المجتمع المدني في البلاد.
من الواضح أن مؤسسات المجتمع المدني، تُعدّ عالمياً ، أحدى أهمّ الأعمدة في بناء مجتمع متكافئ. ويأتي دورها في صلب مجال التوعية والرقابة. لكن للمفارقة، يواجه نشطاء المجتمع المدني في لبنان، حملات معارضة من أطراف سياسية وحزبية عدة. فها هي الحملة التي تُطالب بإقصاء المجتمع المدني، تسير على قدم وساق، وتحت تهم غير مبرّرة بالإفساد والعمل وفق أجندات خارجية.
قد يكون المجتمع المدني ارتكب أخطاءً عدة، كون في صفوفه ينضوي فاسدون، يعملون ويستغلون عنوان “المجتمع المدني”، فقط من أجل جني المكاسب وجمع الثروات، بغضّ النظر عن القضايا الإجتماعية والسياسية المحقّة. بيد أن الكلام المتكرر لزعماء الأحزاب التقليديّة، ورجالات الحروب، في موازاة الخطاب الطائفي الذي يركّزعلى توصيف مؤسسات المجتمع المدني ب”خائنة”، لا يوفّر قاعدةّ منطقية للنقاش.
لا شك أن موجات الإحتجاح التي اندلعت عام 2019 في مختلف أنحاء البلاد، قد شكّلت تهديدًا خطيرًا للنخب السياسية التقليدية، إذ مثّلت هذه التحركات أكبر حركة مدنية بعد الحرب. وفي هذا السياق، تشعر هذه النخب، والتي لطالما كانت تتحكّم بزمام الأمور، بفقدان شامل للسيطرة، تزامناً مع تلمّس بداية التراجع في القواعد الشعبية، لاسيّما بعد الفوز الكاسح للطلاب في الإنتخابات الطالبية في غالبية الجامعات. وأُضيف إلى ذلك، الفوز الكاسح للائحة “النقابة تنتفض” في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت التي جرت أخيراً، حيث حصل المرشح عارف ياسين على 72٪ من الأصوات بينما حصلت أحزاب السلطة على 28٪ فقط من الأصوات.
بالتالي فقد بات من المؤكد، أن هذه الانتصارات ستُترجم بقوة على الصعيد الوطني في الإستحقاق الإنتخابي النيابي في العام 2022 المُقبل، ما يدفع الأحزاب التقليدية إلى الإستنفار منذ اليوم، وإلى شنّ هذه الحرب الضروس على كل مؤسسات المجتمع المدني. لكن وفي المقابل، فإن التغيير قد بدأ بالفعل على الصعيد الشعبي، وذلك مع تسجيل توجّه واضح وتوق أكيد إلى التغيير من غير الممكن ردعه، سواء بالحروب الإلكترونية أوبالتهديدات التي اعتاد الجميع على سماعها.
“ليبانون ديبايت” – وليد خوري