استراحت حكومة الـ 24 الموعودة، 24 ساعة من الاجواء التفاؤلية المفرطة والكلامية بقرب الولادة التي كان ضرب لها موعد اقصاه اليوم، استراحة فرضها الحداد الرسمي الذي رافق تشييع رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عبد الامير قبلان امس، والذي فرض نفسه على كل الملفات، على ان تستأنف الاتصالات لتذليل العقد المتبقية اعتبارا من اليوم.
ظاهريا ، يجمع الطرفان المعنيان بالتشكيل على ان العقدة المتبقية “ما بتحرز توقف عليها الحكومة”، لكن على ارض الواقع فالعقد المتبقية “بتحرز ونص”، فحقيبة الاقتصاد هي حقيبة اساسية بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتمسك ميقاتي بها ليس عن عبث، فالرجل السني الذي يعتبر من الاقوياء في “نادي رؤساء الحكومات السابقين” لن يقبل ان يخرج بحكومة لا تمثيل وزاريا قويا له بالمفاوضات التي قد تبدأها الحكومة مع النقد الدولي، كما ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يقبل ان تشكل حكومة في الاشهر الاخيرة من عهده لا يضمن فيها تنفيذ اي قرار في ما خص معركة التدقيق الجنائي التي يقودها ومعها معركة مكافحة الفساد.
وعليه فحقيبة الاقتصاد ليست وحدها العقدة التي تحول دون الولادة الحكومية، فاليها ينضم الوزيران المسيحيان اللذان بهما يرتبط الثلث المعطل، علما ان بعبدا اكدت لاكثر من مرة انها لا تريد اي ثلث لا ضامن ولا معطل، وان احدا لم يتحدث بهذا الموضوع.
وبالعودة الى العقد، تفيد المعلومات ان الاتصالات التي كانت تكثفت يوم الاثنين لم تفض لحل نهائي بشأن حقيبة الاقتصاد، بعدما رفض ميقاتي سحب نيابة رئاسة الحكومة من القومي سعادة الشامي لرئيس الجمهورية بدلا عن الاقتصاد، علما ان مصادر مطلعة على جو بعبدا عادت واكدت بالساعات الماضية الا اشكالية ببقاء سعادة الشامي بموقع نيابة رئاسة الحكومة.
الا ان مصادر مطلعة على الجو السني كشفت بان هناك من ينصح ميقاتي بالقبول باعطاء نيابة رئاسة الحكومة لرئيس الجمهورية واعطاء حقيبة “ترضية” اخرى للقومي، كما تكشف المصادر عن طرح يجري العمل عليه، قد يتم البحث به جديا بالساعات المقبلة اساسه ان يتم الاتفاق بين الرئيس عون وميقاتي على اسمي الوزيرين اللذين لا تزال الامور الحكومية عالقة عندهما، اي حقيبة الاقتصاد والوزير المسيحي الثاني.
وتشرح المصادر ان الطرح يقوم على ان تؤول حقيبة الاقتصاد لميقاتي، لكن شرط ان يقدم ميقاتي 3 او 4 اسماء سنية عبر الوسيط اللواء عباس ابراهيم ليختار منها رئيس الجمهورية اسما، على ان يطرح بالمقابل رئيس الجمهورية 3 او 4 اسماء للوزير المسيحي الثاني اي الوزير الكاثوليكي، بعدما جرى الاتفاق على الوزير المسيحي الاول للاقليات، فيختار منها ميقاتي اسما، ما يعني عمليا ان يجري التوافق على التسمية بالنسبة للاسماء العالقة، فيختار ميقاتي مسيحيا ويختار الرئيس عون سنيا على قاعدة: “اعطيني لاختار السني وبعطيك لتختار المسيحي”!
هذا الطرح من المفترض ان يحمله اللواء ابراهيم الذي سيستأنف نشاطه الحكومي بالساعات المقبلة، علما ان المعلومات من مصادر مواكبة لحركة اللواء ابراهيم افادت بانه خرج في اجتماعاته الاخيرة مع كل من ميقاتي والرئيس عون “مصدوما”، على حد تعبير المصادر، بعدما تبين له ان كل اسم او مجموعة اسماء يحملها للطرف الآخر ترفض في مهدها.
المعطيات عن امكان ايجاد حل توافقي للعقدتين المتبقيتين، تقاطعت مع ما كشفته مصادر مطلعة على جو بعبدا، اذ قالت: في حال كان ميقاتي يريد حقيبة الاقتصاد فيجب التوافق على اسم الوزير الذي يتولاها كما على اسم البديل للحقيبة البديلة من حصة رئيس الجمهورية، مؤكدة الا شيء نهائيا بعد، لكن هناك امور باتت واضحة وبدا دفشة او دفشتين لتكتمل، بحسب المصار.
لكن اللافت كان في استطراد المصادر لتقول: “الله يلهم الرئيس المكلف فيحزم امره ويزور بعبدا، فلم يعد مسموحا ان نجعل الشعب اللبناني يفكر اننا نتحاصص على حقيبة او 2 او على ثلث معطل، فهذا كلام ممجوج لم يعد له موجب، فاذا كان الرئيس المكلف راغبا فيمكنه ان يصعد ويؤلف الحكومة”!
في المقابل وعلى خط ميقاتي، يشدد مصدر مقرب منه على وجوب عدم المبالغة بالايجابيات والقول ان الامور انتهت، لاننا “بعدنا محلنا” والامور ترواح مكانها حتى الساعة، الا ان المصدر يحرص على التأكيد بان صبر الرئيس المكلف طويل لتتألف الحكومة، لان العقد المتبقية لا يمكن ان توقف التشكيل.
ولكن متى يزور ميقاتي بعبدا، بعدما حكي سابقا عن احتمال الزيارة اليوم؟ المصدر المقرب من ميقاتي يقول: “بس تخلص الامور عالآخر”، الرئيس المكلف ليس مصرا على اي اسم، انما الاهم بالنسبة له الا يكون هناك غلبة لاحد في لعبة التوازنات الطائفية!
وفيما شكت مصادر متابعة للمفاوضات الجارية من تبديل يلحق من قبل ميقاتي باسماء كان اتفق عليها سابقا ويستتبعها بتبديل بحقائب كانت حسمت، نفت مصادر في “التكتل الوطني” ان يكون “المردة” طالب بالاشغال بدلا من الاتصالات، جازمة ان حصة “التكتل” حسمت بالاتصالات والاعلام، علما ان المعلومات تؤكد ان ميقاتي حاول جس النبض في هذا الموضوع، الا ان الطرح بقي كلاميا من دون ترجمة جدية على ارض الواقع.
وهنا تكشف معلومات خاصة بان ميقاتي وبعدما كان اتفق مع حزب الله على اعطائه حقيبة الاشغال منذ البداية، عمد الى فتح الموضوع في احد لقاءاته مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا (وتحديدا عندما زارته شيا وبعدها زارت بعبدا)، فحرص حينها ان يُسمَع السفيرة شيا بانه في حال كانت تعارض الولايات المتحدة اعطاء حقيبة الاشغال لحزب الله فهو جاهز لعدم السير بهذا الامر، علما انه كان يعمد للوقوف على خاطر حزب الله عبر التواصل مع ممثليه الذين كان يسمعهم بانه اذا كان السيد نصر الله غير راض فهو يبدل الحقائب، ما يعني عمليا كما تقول مصادر موثوقة بانه يحاول اللعب على «الحبلين»، واللافت ان رد السفيرة الاميركية على موضوع حقيبة الاشغال لم يكن متشددا، اذ فهم ميقاتي منها “ان المسألة بتقطع” اذا كانت الامور عالقة عند هذه النقطة.
على اي حال وبانتظار مفاوضات الساعات المقبلة، وعما اذا كانت ستحمل حسما سلبيا او ايجابيا، فالاكيد حتى اللحظة ان خيار الاعتذار لدى ميقاتي مؤجلا حتى اشعار آخر، اذ تؤكد المعلومات انه في حال لم ينجح ابن طرابلس بتأليف حكومة الـ 24 فهو سيكون لديه خيارات عدة قد يلجأ اليها قبل خطوة الاعتذار، ومنها الطرح الجدي لحكومة الـ14 وزيرا، اي حكومة الاقطاب التي كان لوّح بها سابقا وهو المعروف عنه اتقانه فن المناورة السياسية في محاولة منه لجس نبض رئيس الجمهورية.
بالانتظار لعل ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري بالامس ردا على سؤال حول مصير تشكيل الحكومة هو الابلغ تعبيرا عن واقع الحال الحكومي: “لم يعد ينفع الا الدعاء”!
جويل بو يونس – الديار