كتب غسان حجار في “النهار”:
هل كان الرئيس ميشال عون يرضى لو أن سلفه الرئيس ميشال سليمان استمر مدة سنتين في القصر بعد انتهاء ولايته الرئاسية الدستورية؟ كان بالتأكيد سيتهمه بمخالفة الدستور، وبالتعدي على الرئاسة، كما فعل تماماً عندما اعترض على “حق الرئيس” (سليمان) باختيار عدد من الوزارات وتسمية الوزراء، أي أن يحصل الرئيس على “كوتا” كما نصّ اتفاق الدوحة الذي ضرب الحياة الدستورية فوزع الحصص والحقائب قبل الاتفاق على اسم رئيس البلاد، واسم رئيس الحكومة. والرئيس عون الذي عارض انذاك نيل سلفه حصة وزارية بدّل رأيه مطالباً بحصة أكبر منها.
قبل مدة خرج القاضي “المستقيل” بيتر جرمانوس من السلك القضائي بتسوية رعاها سيد العهد، مخففة عنه مستوى “العقوبة” التي كان من المفترض أن تصيبه، وخرج بالحد الأدنى من الإجراءات في مقابل طيّ ملفات عدة تعتبر وفق عدد من القضاة مخالفات تستحق عقاباً أكبر. القاضي جرمانوس نفسه خرج ليعلن عن دراسة أعدّها في عهد الرئيس ميشال سليمان، وفي مضمونها أن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية من دون انتخاب بديل، تفترض بقاءه بحكم الأمر الواقع وتسيير أعمال الرئاسة من دون الوقوع في الفراغ، وقد اعتبر أن مجلس الوزراء، ولو مجتمعاً، لا يمكنه القيام مقام الرئاسة الأولى.
وإذ حاول جرمانوس إلصاق الدراسة بالعهد السابق، في محاولة مكشوفة للترويج لإمكان بقاء الرئيس ميشال عون في موقعه في حال تعطلت (أو عُطلت) الانتخابات الرئاسية، وإعلانه أنه لم يعدّ الدراسة حديثاً لمصلحة عون، خرج الرئيس ميشال سليمان ليعلن عدم معرفته بالدراسة، وعدم اطلاعه على مضمونها، وعدم مفاتحته من أيّ كان بها، رغم عدم نفيه إمكان وجود دراسات في هذا المجال يرفضها بالمجمل، لأن البلد لا يتحمل القيام بمغامرات غير مدروسة، وغير مضمونة النتائج.
إذاً، ومن دون الاطلاع على الدراسة وعرضها على دستوريين، وخبراء في هذا المجال، يمكن الاستنتاج أن ثمة نية لدى الرئيس عون لعدم ترك القصر بعد انتهاء ولايته، تحت ذريعة عدم حصول فراغ… فراغ ساهم هو نفسه في صنعه قبل انتخابه. وهو يريد تكرار تجربة “قصر الشعب” عندما تحصّن فيه ولم يخرج منه إلا تحت وابل القذائف، واجتياح الجيش السوري لمقر الرئاسة اللبنانية.
هذه الفتوى، المُهداة من جرمانوس رداً للجميل، تدفع إلى صراعات جديدة، وهي ربما حركت وستشعل جبهة او جبهات متعددة الطرف، تعمل منذ فترة على احراق أشرعة مراكب عون، سعياً لإنهاء عهده المتهاوي قبل بلوغ سنته الاخيرة، وجعله عاجزاً حتى عن البقاء في بعبدا إلى موعد انتهاء ولايته، ومن تجليات المعركة الدعوات المتصاعدة، إلى استقالة الرئيس قبل انتهاء ولايته، لمواجهة كل طرح في شأن بقائه تصدّياً للفراغ.
وهذا الصراع، الظاهر والخفي في آن واحد، هو ما يعرقل كل الملفات، وتأليف الحكومة أحد هذه الملفات. باتت المعركة صراعاً وجودياً بين خطين لا يلتقيان، وإنْ جمعتهما، أو فرضت اجتماعهما ظروف محددة، ظرفية، ولّدت “تسوية الأنابيب” التي لم تبلغ حد الحياة الطبيعية فتكسرت سريعاً.