مبدئياً، صهاريج “حزب الله” متأهّبة لاستقبال المازوت الإيراني. المسألة باتت تُقاس بالساعات إذاً، ومنذ مطلع الأسبوع الجاري لاحت في الأفق إشارات حول دنو رِسوّ السفينة الإيرانية المحمّلة ليس بالوقود فقط إنما بنماذج تُحاكي قلب المعادلات وقواعد الاشتباك الراسية في المحيط اللبناني منذ زمن. ما ينقص للشروع بحفل الإستقبال، إعلان السيد حسن نصرالله للبيان رقم واحد، ومفاده: “أنظروا إلى السفينة في عرض البحر”.
بصرف النظر عن موقع رسوّ السفينة المُفترض، فإن ما يجدر الإلتفات إليه، أن الحزب حقّق من وراء الناقلة الإيرانية، خطوة كاملة وذات صلة بـ”كسر الحصار” الأميركي المفروض على لبنان بشكل غير معلن. كذلك، يسجل للحزب نجاجه باستدراج اعتراف أميركي بوجود “حصار” من زاوية ما أعلنته السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا سابقاً، ومن خلفية ما نطق به وفد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي الذي زار بيروت لاحقاً. ومما لا شك فيه، أن إعلان الوفد مسعاه لتأمين “المحروقات” إلى لبنان ومحاولته مقايضة ذلك بمستقبل وصول النفط الإيراني إلى بيروت، يدل على “انكسار” أميركي معنوي وجوهري يكاد لا يفرق عن حلقة الإنكسار الجارية في أفغانستان بمعناه الإستراتيجي. من زاوية أخرى، إن تقديم طلب استثناء لبنان من عقوبات قيصر لتمكينه من استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية وقبل ذلك كسر السفيرة لمقتضيات القانون نفسه، حصل بالإعتماد على الذات ودون تقديم أي تنازل وليس من منطلق بيان الشفعة الأميركي، إنما باستخدام عنصر القوة المستمدّ من واقعية وجود قدرة لدى المقاومة على استقدام النفط الإيراني، هي أمور لا يمكن تجاوزها بسهولة. فغالباً كان الأميركي يلاقي طلبات الإستثناء المقدمة من الجانب اللبناني بالرفض المطلق كما حصل خلال صيف عام ٢٠٢٠، ما دام أنها تقدّم “من تحت”.
مبدئياً، لقد حقّق “حزب الله” مراده من الناقلة حتى قبل رسوّها في المكان المقرّر. قبل ذلك، كان الحزب قد أنجز محاكاةً ميدانية لكيفية نقل المازوت والبنزين الإيرانيين من سوريا إلى لبنان، أضاف إليها “دراسة مستفيضة” حول سبل توزيع الكميات وحاجة كل جهة، وقد ربطها بآلية “شفافة”، ما أعطى إشارة إلى مدى جهوزية الحزب، بالتوازي مع انطباع أظهرَ خلاله أنه لا يبتغي استدراج المشاكل من وراء الباخرة بدليل استثنائه الشواطئ اللبنانية من “سباق النفط”.
في الواقع لم يطرح قط أن تأتي السفينة لبنان خلافاً للمزاعم القائلة بذلك، وليس سراً أن ثمة مراسلات رصد حصولها بين قيادة الحزب ومرجعيات سياسية حليفة وأخرى غير حليفة من الطراز الرسمي – صف أول، كانت تسأل حول وضعية السفينة ومدى امكانية ملامستها للشاطئ اللبناني. الحزب طبعاً “محتاط” إلى أبعد درجة في هذه المسألة، ولم يكن في باله أن يدفع باتجاه أن يرسيها على الشواطئ اللبنانية كي لا يظهر كأنه “خارج عن الدولة”، ولكي لا يؤسّس إلى “جذور خلاف” مع مسؤولين سياسيين لبنانيين أو حلفاء قد لا يتحملون اتهامهم مثلاً بتغطية الحزب “المتجاوز” بنظر البعض للقوانين اللبنانية أو العقوبات الأميركية. وفي الحقيقة، إن دوائر الحزب لم تتلقَ أي “تهديد” من أي نوع كان في حال رست الباخرة عرض المياه اللبنانية.
حسناً، “حزب الله” تولّى تطمين الجميع، ولم يكن يخفي أن وجهة السفينة منذ البداية كانت الموانئ السورية رغم أن لا شيء يمنعه نظرياً من جلبها إلى شواطئ بيروت إلاّ بعض الأمور التقنية التي قد تمثل عوائق “محدودة” ومبدئياً تتوفر إمكانية لمعالجتها لاحقاً، لا بل إن البعض كان يأمل حدوث ذلك عملاً بقاعدة وجوب “كسر الحصار” الأميركي من على اليابسة اللبنانية! على الرغم من ذلك، فإن ما تقدّم لا يعني بالضرورة أن المياه اللبنانية مُستثناة من إمكانية جعلها “مرسى” للسفن مستقبلاً أو أن لبنان عصيّ على كسر “إرادة العقوبات الأميركية”. ولو افترضنا أن إخراجه لتلك الشواطئ من المعادلة حالياً لأسباب نتحفّظ عن ذكرها الآن، لكن لا يعني بالضرورة أن الخيار يعدّ صالحاً إلى انتهاء الأجل، إنما قد تتبدل الظروف تبعاً لتبدل التطورات، وهذا متروك إلى تقدير قيادة الحزب على أي حال.
صحيح أن حزب الله وإلى حينه يُحيط “السفينة” الإيرانية الأولى بهالة من الكتمان الشديد، إلى حد يصعب فيه معرفة إسم “السفينة” الضيف حتى، مع ذلك، لا يخفى أن الباخرة المنتظرة باتت لا تبعد عن ميناء بانياس السوري حيث موقع “التحامها” المبدئي سوى كيلومترات قليلة، ولا يخفى أنه أنجزَ “آلية مبدئية” لاستجرار النفط من الأراضي السورية إلى بيروت، ولا مجال لإخفاء جهوزية “رهط الصهاريج” لتشغيل محركاتها والإنطلاق صوب الهدف في اللحظة “صفر”، أو النقاش الجاري سواء مع أصحاب المولدات بصفتهم مستهدفين في الكميات المرصودة، أو أصحاب المستشفيات والأفران التي يريد الحزب أن يهبها كميات وبالمجّان.
وفي الحديث عن الآلية، يُحكى عن “مسودة” توصل إليها الحزب مع أصحاب المولدات تحديداً، قوامها تزويدهم بكميات تكفي لتغذية كهربائية في الأحياء لمدة 12 ساعة في اليوم مقسّمة من 20 إلى 25 يوماً، على شرط أن تُستخدم تلك الكمية في التغذية الكهربائية وتسهم في خفض الفاتورة المتوجّبة على المواطن، وقد خصّ الحزب ذلك بنظام مراقبة صارم لكيفية صرف الكميات، وعلى الأرجح ستكون إحدى الشركات (ولعلها الأمانة) قائمة على التوزيع، فيما يتمتع إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية بصفة مراقب ضمن نطاقه الجغرافي ومساند للجنة التي أوكلها الحزب أمر صرف المحروقات والتدقيق في وجهتها.
وفي السياق نفسه، بات من الواضح أن “عملية الجرد” اشتملت على المباني الواقعة ضمن نطاق الضاحية الجنوبية والتي تمتلك مولدات. ويتردد في هذا الشأن أن ثمة طلبات قُدمت من أبنية أخرى واقعة خارج نطاق الضاحية الجغرافي، ومنها مؤسسات ومصالح تموينية وزراعية و استشفائية و إجتماعية ونوادٍ رياضية ومراكز رعاية صحية وغير ذلك، وقد شملها الإحصاء على نية استطلاع حاجاتها من المحروقات تمهيداً لتأمينها وفق ذات الآلية التي ستزود لأصحاب المولدات.
المصدر : “ليبانون ديبايت”_ عبدالله قمح