لا شك ان واحدا من أسوأ مظاهر الانهيار الكبير في لبنان، هو الضبابية التي تلف العام الدراسي، في خضمّ الأزمات المعيشية وانقطاع الكهرباء والبنزين والمازوت، إضافة إلى خطر “كورونا” الذي عاد ليطلّ برأسه عبر متحور “دلتا” الذي قد يعيدنا إلى نقطة الصفر في مواجهة الوباء.
حتى الأهل، ما عادوا يعلمون أيّ حلّ يفضلون وسط توالي الكوارث من كل حدب وصوب، خصوصا مع ارتفاع خيالي بأسعار القرطاسية وكل اللوازم المتصلة بالعودة إلى المدرسة.
سنحاول في عرض مبسّط وسريع احتساب التكاليف اليومية التي تترتب على كل يوم مدرسي للتلميذ الواحد، والتي هي بالطبع تقريبية، نظرا لتفاوت الأرقام بين مدرسة وأخرى، كما بين صف وآخر.
فلنبدأ بالشنطة التي تحولت بالفعل إلى منجم ثمين، ليس بسبب كلفة ما ستحتويه من قرطاسية، إنما أيضا بسبب سعرها الذي بات يقارب المليون ليرة على الأقل.
الشنطة هذه المرة ستشكل ثقلا على التلميذ والأهل في آن واحد، فإذا جمعنا كلفة الدفاتر والكتب والاقلام وتوابعها، فالمبلغ سيقارب الـ3500000. كذلك الزي المدرسي، الذي وبفضل “كورونا” لم يشكل عبئا على الأهل خلال العام المنصرم بسبب التعلم عن بعد، وإذ به يتحوّل إلى همّ هذا العام، حيث وصلت كلفته في بعض المدارس إلى 4 ملايين ليرة.
وفي وقت لم تحدد المدارس حتى الساعة أقساطها، وسط ضياع يلف هذا الموضوع، ففيما يحكى عن ان الاقساط قد تلامس الـ10 ملايين، تتردد أخبار عن إمكان أن تطلب بعض المدارس نسبة معيّنة من القسط بالعملة الصعبة.
أما بعد، وقبل التعلم، فكيف الوصول إلى المدرسة، وسط أزمة البنزين، وارتفاع أسعارها المرتقب نهاية أيلول مع رفع الدعم؟ في نظرة استشرافية للواقع الذي سنصله قريبا، من الطبيعي أن نشهد ارتفاعا غير مسبوق بتكلفة التسجيل في الباص المدرسي والتي ستقارب المليون ليرة.
أما “سندويشات” التلاميذ التي سترافقهم إلى مدرستهم لسدّ جوعهم، فستشكل هي الأخرى مصدر تحد للأهل، وسط انقطاع الخبز في الكثير من الايام بسبب أزمة المازوت التي تعطّل عمل المطاحن، إضافة إلى الارتفاع المرتقب بسعر الربطة. وإذا توفر الخبز، فالتحدي الآخر هو بملئه بالأجبان والزعتر التي ارتفعت اسعارها هي الأخرى، فجبنة الـDouble creme التي يستهلكها التلميذ خلال 3 أيام فقط باتت تكلّف حوالى 35 ألفا، وكيلو الزعتر لامس الـ100 ألف، في وقت بات “الجامبون” وجبة ارستقراطية في عصر الانهيار، وهو على الاغلب سيغيب عن”زوادة” المدرسة. ومثلها سيفعل الشوكولا والبسكويت، والتي ستحل محلها الفاكهة، بعدما باتت هي أيضا بأسعار خيالية.
كلّ ما تقدّم، إذا جمعنا تكاليفه، وقسمناها على عدد ايام الدراسة، فسنجد أن يوما واحدا للتلميذ في المدرسة سيكلف حوالى 140 ألفا، الأمر الذي بالتأكيد سيجعل التعليم في لبنان حكرا بقلة قليلة لا تزال تصنّف ضمن الفئة الميسورة.
كلّ ذلك يحصل فيما مسؤولونا في سبات عميق، يختلفون على الحصص والحقائب، غير آبهين لمستقبل جيل بكامله، ولمصيبتنا الأكبر في الآتي من الأيام حينما يصبح التعلم حلما. لا نسمع إلا تمنيات واجتماعات، من دون ان يصار إلى دق ناقوس الخطر وتشكيل خلية أزمة تعمل على إيجاد التمويل اللازم للتخفيف من المعاناة في هذا القطاع، إضافة إلى حفظ حق الاساتذة.
حقا أننا ابتلينا، في هذا الزمن البائس، بأسوأ قوم ليتحكموا بمصيرنا وبمصير أولادنا… لكن حسابهم لا بدّ آت، وعلى أبعد تقدير في أيار!