في المبدأ، طارت إمكانية تأليف الحكومة الجديدة خلال المهلة التي ذُكر أنها متاحة. ذلك يُمهّد إلى الإقتناع بـ”فجور” سياسي -كما سبق واسلفنا بالأمس- واكب عملية الدفع صوب إنتاج “تسوية حكومية” بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، المنقطعان عن التواصل المبدئي بين بعضهما كما يُوجب الدستور.
حين أُوكل اللواء عباس ابراهيم مهمة “اجتراح” حلّ حكومي للمعضلة الحالية المتمثلة بالنزاع “في الظاهر” على الأسماء والحصص وفي الباطن على التوازنات داخل مجلس الوزراء، كان همّه “تكريس” اتفاق على تجاوز العقد وإيجاد حلول موضوعية لوضعية “التوازن” مع إقرار مسبق من قبل المعنيين بوجود رغبة في تأليف حكومة. تأسيساً على ذلك انطلق في حراكه وتجوّل على المقارّ الرسمية المعنية من وإلى أكثر من مرة في اليوم الواحد كما حصل أمس وأمس الأول. وعلى ما يظهر، كان في كلّ مرّة يتأكد فيها، ونتيجة لـ”التقلّبات المزاجية” التي واكبت عملية “فرط العقد”، أن ثمة عدم رغبة في تقديم “تنازلات كاملة” في مسألة التأليف، وأن كلّ طرف يُريد أن يحافظ على مكاسب مُعينة ضمن التشكيلة، ما سيعيق الوصول إلى الغاية. وتجنباً لأي “ورطة”، كان “اللواء” وعلى ما بدا، حذراً في التعاطي بالإيجابيات، رغم أن البعض الآخر مارس “فجوراً إعلامياً” غير عادي عبر الصحف والمحطات وكاد أن يعطي ليس مواعيد فقط إنما يجزم بتأليف الحكومة خلال عطلة نهاية الأسبوع الجاري، وهو ما كانت تنفيه جملة عوامل ميدانية ظاهرة.
عملياً، ما استبطن بيانات كل من قصر بعبدا و مكتب الرئيس المكلّف، جزم بما لا يقبل الشك، أن التنازع بين الجانبين مستمرّ، وأن الخلاف لا ينحصر في طبيعة التمثيل إنما التركيبة الحكومية، وهذه لا تحتاج إلى تدخلات داخلية إنما خارجية، بفعل أن “الفيتويات” المرتسمة على وجه التأليف، لها علاقة بجذور خارجية واضحة، كمثل عدم توافر رغبة لدى الجانب الأميركي بالسماح في تأليف حكومة تُخالف مبدأ العقوبات لديه، بمعنى عدم ترك الحكومة تتألف وفيها تظهير واضح لما يسمونه “سطوة حزب الله “، غير المتأثر بسلسلة هادرة من العقوبات عليه، أو أن تستبطن تمثيلاً واسعاً لـ”التيار الوطني الحر”، -المُعاقب بدوره- ووفقاً لما يرغب.
يوم أمس، وخلال لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بوفد الكونغرس الأميركي، وهذا الوفد بطبيعة الحال احتوى بشكل ظاهر على عناصر راديكالية طاغية على صورته وموالية لمبدأ “تشذيب” حضور “حزب الله” سياسياً، قال أمامهم بأن الحكومة “قيد التأليف” وقد وضع إطاراً زمنياً لها خلال الأسبوع الجاري، وقد تمت قراءة ذلك على ما ذكرنا بالأمس، على أنه “لطشة” توجه إلى الأميركيين حول وجود رغبة بتحدي إرادتهم وإنتاج حكومة على غير ما يفقهون أو كمثل ما رسموا سابقاً، وهو ما يُمكن ربطه لاحقاً بانفراط عقد تأليف الحكومة كما حدث بالأمس. وعملاً بمبدأ الربط بين الأحداث، قد يبدو الجانب الأميركي هو الحائل دون التأليف بدليل عدم منحه “الضوء الأخضر” المطلوب، وكردّ فعل على “محاولة عون” الإلتفافية في بعبدا.
في المبدأ، أعلن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في البيان الأخير الذي وزّعه مكتبه بالامس، رغبته في تأليف حكومة بالشراكة مع رئيس الجمهورية، لكنه ربط ذلك بـ”تعاون بنّاء بعيداً عن الشروط والأساليب التي باتت معروفة”، والأساليب التي باتت معروفة من وجهة نظره هي “إسقاط أسماء فاقعة حزبياً” يقول محيط ميقاتي أن “الرئيس” يريد “حقن التشكيلة بها” على نية الإستحواذ على الحكومة العتيدة بطلب من “صهره” النائب جبران باسيل، وهو اتهام صريح ومباشر لرئاسة الجمهورية بإملاء مطالب يجد المكلّف بأنها “تتجاوز المعاني الدستورية”، ترفضها بالمطلق بعبدا وفقاً لما عبّر عنه خلال بيان آخر صدر بالأمس ايضاً، ما له أن يصبّ في اتجاه تعكير صفو العلاقة، حيث تُثبت المؤشرات الحالية بأنها وصلت إلى مكان لا تحسد عليه، وباتت إمكانية التواصل بين الرئيسين شبه منعدمة.
زِد على ذلك، أن ثمة عوامل داخلية “معرقلة” بدأت تظهر. فتيار “المردة” بوصفه “شريكاً” مسيحياً لرئيس الحكومة المكلّف، ربطاً بمنحه “الغطاء المسيحي” خلال التكليف، يجد نفسه “صاحب حق” في نيل ما يبتغيه من الحكومة، وبالتالي أعلن أن مطالبه منحصرة في التمثيل في وضعية مارونية صرف، ما مثّل مزاحمة لقصر بعبدا و”التيار الوطني” الذي بات يرى أن المردة “تطلب” الشراكة المارونية من بوابة منح الغطاء لرئيس الحكومة وليس الظفر بمواقع مارونية نيابية تؤهله إلى بلوغ مراده. وعملاً بذلك، تطلب أوساط “التيار” من “المردة” أن “يُنصف” من جانب الرئيس المكلّف وليس من الحصّة التي يعتبرها العونيون حقّاً لهم. رفض “التيار” لهذه الوضعية، جعل من “المردة” يُهدد بالإنكفاء عن المشاركة في الحكومة، بما يعنيه ذلك من إسقاط الأسماء التي طرحها، أي عملياً عدم منح حكومة ميقاتي العتيدة الثقة، ما يجعل الأطراف المسيحية بغالبيتها والممثّلة في مجلس النواب خارج منطق الثقة تلك، ما يؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ بميقاتي الذي لا يبتغي أن يبدأ “عهد الإصلاح” بخلل ميثاقي يعتري حكومته.
إلى هذه الدرجة باتت الأمور متشابكة في التأليف، وبهذا المعنى يُحكى عن جهد مضاعف سيتولّى تأديته الوسطاء رغبةً منهم في عدم “فرط” سبحة الحدّ الأدنى الموجود في العلاقة، وكمحاولة منهم لإعادة المياه إلى مجاريها بين الرئيسين. إلى حينه، يرفض ميقاتي عودة التواصل المباشر من حيث الحضور في بعبدا، ويشترط حضوراً يُعلن في نهايته عن مراسيم تأليف الحكومة. من مكانٍ آخر، يُرصد أن تيار “المستقبل” يلعب لعبته في اتجاه “تطيير” أي إمكانية لتأليف حكومة ولا من مجال لإعفائه من منطق فرض الشروط لو أنه مصرّ على النفي، من زاوية “تطعيم التشكيلة” بأسماء محسوبة عليه وتفوح منها رائحة سياسية تفوق تلك الحزبية وهو ما سبق وأشار إليه النائب جهاد الصمد.
ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح