كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
مع التوجه لبدء مراسم التسجيل في المدارس والمعاهد والجامعات، حلّت أزمة جديدة على المواطن وهي “السوق السوداء لإخراج القيد”. وكأن اللبناني لا تكفيه السوق السوداء التي تطال شتى السلع والادوية والوقود والغاز والخبز.. حتى يتلقى صفعة جديدة تتعلق بأوراقه الثبوتية. وبالرغم من قيام الأمن العام بإصدار قرار يمكّن حاملي إخراج قيد يعود تاريخه لعام 2017 من تصديقه واستخدامه لتسهيل معاملاتهم، خصوصاً الراغبين بالسفر او استخدام الهوية، إلا أن هذا الأمر لم يضع حداً للسوق السوداء والتفلّت، فاستخدام إخراج القيد تحديداً الفردي أكثر بكثير من الهوية. وبسبب عوز المواطنين لهذه الاوراق، خاصة مع ازدياد اعداد المهاجرين وضرورة حصولهم على اخراج قيد من أجل تخليص إجراءات السفر، فقد ظهرت هذه السوق السوداء، وبدأ العاملون بها يستغلون تعطّش الافراد لتسهيل معاملاتهم، وبالتالي يحصل التجار على أموال طائلة مقابل هذه “الورقة”.
وتطال أزمة شح اخراجات القيد الفردية والعائلية مختلف المناطق اللبنانية، حتى بدأ سعره يترواح بين 50 إلى 500 ألف ليرة في السوق السوداء، ولا تقف الازمة عند هذا الحد، لا بل تتعداها حتى أن الدولة باتت تعاني من نقص، لا بل فقدان للطوابع الرسمية التي تحتاج لها مختلف الاوراق الرسمية في دوائر الدولة.
وتعود أزمة السوق السوداء إلى قيام فئة غير شرعية بتهريب المعاملات واستغلال حاجة الناس، وعلى الرغم من كون هؤلاء التجار والسماسرة معروفين لدى سلطات الدولة، إلا أن أي تدقيق أو حكم تجاههم لم يؤخذ، ومن هنا يبدأ التمادي بأفعالهم وتجاوزاتهم، فهم يمتلكون هيكلية مخفية مع جهات غير معروفة.
ضف لذلك، عجز الدولة عن طرح مناقصات لتلزيم هذا الامر، في ظل شحّ الدولار وأزمته التي لا تخفى عن أحد.
اذن، في الوقت الذي باتت فيه العديد من الدول تعتمد على المكننة وعلى الحكومة الالكترونية، يتحفنا واقعنا في لبنان بالعودة إلى العصر الحجري، فأبسط الحقوق أصبحت أشبه بحلم، وحتى السعي للهجرة والخروج من هذا الواقع العفن يتطلب الانتظار بطوابير الذل لساعات لا تحصى.
ويمكننا القول، أن الطمع والجشع أعمى عيون التجار والمحتكرين، وساعدتهم تغطية الدولة لهم والسكوت عن كل تجاوزاتهم في الاستمرار باستغلال المواطن اللبناني وانتظار أي ثغرة من أجل استخدامها في السوق السوداء. ولعل السلطة والشعب يمثلان بؤرة فساد، والرحمة لا تأتِ من أي جهة منهما، فالمال والطمع يعمي القلوب.
إن أصدق ما يقال اليوم، هو كون دولتنا اصبحت “لبنان الاسود”، والمشكلة لم تعد احتكار السوق السوداء، بل باتت بالوضع والقلوب التي اتشحت بالسواد.
ويبقى الوضع على ما هو عليه، إلى أن يدق ناقوس الكرامة داخل كل لبناني.