كتبت يمنى المقداد في “الديار”:
مع رفع الدعم الجزئي عن المحروقات وانقطاعها، ارتفعت أسعار كلّ ما له علاقة بهذا القطاع الحيويّ، وليس آخرها إرتفاع تعرفة «السرفيس» و»الفان» شعبيّا، لا سيّما بعد تصريح تلفزيوني لرئيس إتحادات ونقابات النقل البري في لبنان بسام طليس، أشار فيه إلى أن «تعرفة النقل بالحد الأدنى ستصل لـ 16 أو20 ألفاً، إذا لم تلتزم الحكومة بما تم الإتفاق عليه»، وتمنى «أن يتحلّى السائقون العموميون بالرحمة تجاه المواطنين»، كلام طليس لم يلق – على ما يبدو – آذانا صاغية ، فتفلتت أسعار النقل حدّا تجاوز تعرفته المرتقب ان يعلنها الأسبوع المقبل.
غليان تعرفة المواصلات، والذي يهدّد بوقف عجلة العمل لتعذّرالحضور، دفع بالمعنيين الى تعديلها إستثنائيا للقطاع العام لتصبح 24 ألف ليرة، أمّا في ميزان أيلول المنتظر، فهذا البدل غير كاف، فرفع الدعم الكلّي سيرفع سعر صفيحة البنزين الى 336 ألف ليرة، والمازوت الى 278 ألف ليرة، وفق «الدولية للمعلومات» التي أوضحت أنّ هذه الأسعار قد تنخفض أو ترتفع وفقا لسعر النفط عالمياً، وسعر صرف الدولار محليا.
الأسمر: رفع الدعم سيؤدّي لتباطؤ الحركة الإقتصادية أو توقّفها
من رحم تحدّيات العيش القاهرة، أصبحت أمنية كلّ موظف وعامل في القطاعين العام والخاص، تتلّخص برفع الحدّ الأدنى للأجور، فرفع بدل النقل حتى وإن زاد رصيده لاحقا، لا يغني ولا يسمن من جوع.«الديار» بحثت تأثير رفع الدعم الكلّي عن المحروقات على وضع العامل في القطاعين، وحول قابليّة زيادة الأجور في ظلّ التخبّط السياسي والإقتصادي الذي بلغ أشدّه اليوم، وقد توقع رئيس الإتحاد العمّالي العام بشارة الأسمر أن يؤدي رفع الدعم الى تباطؤ الحركة الإقتصادية أو توقّفها نهائيا، وهذا ملاحظ برأيه من خلال الحركة الخفيفة في العاصمة، ونسبة الموظفين العموميين التي لا تتجاوز 20%، نظرا لتعذّر التنقّل، وقال:» هذا الواقع مع سعر صفيحة البنزين 135 الفا فكيف إذا عندما تصبح بـ 350 ألف؟».
اضاف :»من الملاحظ مؤخرا أنّ أسعار المواد الإستهلاكيّة لم تتوقف عن التصاعد التدريجي حتّى مع انخفاض سعر الصرف اليومي، ما يسلب الفتات المتبقي من رواتب الليرة، وينعكس تدنيّا يوميّا في الحدّ الأدنى للأجور الذي يبلغ بحسب الأسمر 28 دولارا وفق دولار الـ 20 ألف ليرة، موضحا أنّ تكلفة النقل وحدها تبلغ نحو مليون و300 ألف ليرة ضمن بيروت، حيث أصبحت تعرفة « السرفيس» 25 ألف ليرة، أمّا من بيروت إلى صيدا فتبلغ 40 ألف ليرة، والى صور وطرابلس 60 الف ليرة، وأضاف أنّ كلفة تعرفة إشتراك الـ5 أمبير تبلغ نحو مليون ليرة و ستصبح مليونين آخر أيلول، وهذا يعني حدّا أدنى من التكاليف بنحو 3 مليون و500 ألف ليرة شهريا، ما عدا الغذاء والمدارس والهاتف والإنترنت وصيانة المنزل و الطبابة والإستشفاء وسواها، معلّقا: «نحن أمام كارثة حقيقيّة».
رفع الحد الادنى للأجور عشر مرّات
السؤال الأبرز اليوم هو: ماذا ينتظر اللبناني بعد تحرير أسعار المحروقات، فيما يخصّ أسعار المواد الغذائية؟ الأسمر توقّع في هذا الشأن، ارتفاعا شاملا لكلّ الأسعار بما فيها أسعار الخبز والدواء، وأنّ تكون الزيادات بحدود الـ 20%، فالمحروقات أساسيّة لنقل المواد وتخزينها وتبريدها وغير ذلك، مشدّدا على وجوب رفع الحدّ الأدنى للأجور، وقال إنّه اقترح أمام المعنيين أن يضاعف عشر مرّات أي أن يصبح بحدود الـ 7 ملايين ليرة ( 6 ملايين و750 الف)، إنما أشار إلى إمكانيّة الحوار والوصول إلى أرقام مقبولة عند الجميع، داعيا لتعميم المساعدة المالية التي قدمت للقطاع العام، على باقي مؤسسات العامة والخاصة.
ورأى في المقابل أنّ لا قيمة للزيادات إن حصلت، اذا لم يتمّ تثبيت سعر صرف الدولار، وذلك للتمكن من تحديد الأجر وملحقاته بدقّة، مشيرا الى أن الإتحاد وافق – على مضض – على 24 ألف ليرة كبدل نقل، معتبرا أنّ ذلك يصح إذا كان سعر صفيحة البنزين بين 40 و70 ألف ليرة، وليس بعد أن تضاعف سعرها مرتين وسيتضاعف 4 أو 5 مرّات، ما يوجب أن يكون بدل النقل متحركا صعودا أو هبوطا وفق سعر المحروقات، مشيرا إلى أنّ وزيرة العمل تعدّ حاليا مرسوما إستثنائيا لبدل النقل في القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام.
عكّوش: لبنان في حالة طوارئ اقتصادية
على الرغم من أحقيّته إنسانيّا وحياتيّا، قد لا يكون مطلب رفع الحدّ الأدنى للأجور قابلا للتنفيذ إقتصاديّا. الخبير الإقتصادي والمالي الدكتورعماد عكّوش قال لـ»الديار» إنّ لبنان اليوم في حالة طوارىء إقتصادية، وبحاجة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وليس الرواتب، بعيدا عن الطريقة التقليدية بتشكيل لجنة مؤشر، على أن يحدّد وفق حجم إقتصادنا، وأن لا يتجاوز 125 دولارا، بالتوازي مع رفع الدولار الجمركي لـ 3900 ل.ل تدريجيا، يليه عمليات تقييم مستمرة، والا لن تتمكّن الدولة من تعزيز واردات الخزينة ودفع الزيادات، ما سيؤدي إلى عجز في الموازنة، وتضخم كبير جدا، وانخفاض بالقدرة الشرائية وقيمة الليرة اللبنانية، وهذا ضروري أيضًا لتشغيل الوزارات وإلّا ستتوقف مؤسسات القطاع العام عن العمل0
تصحيح الأجور أو إعطاء غلاء معيشة
من جهته اعتبر الأسمر أنّ تصحيح الأجور بظلّ عدم استقرار سعر الصرف سيؤدي الى مزيد من الخلل، لكنّه لا يرى حلولا بديلة حاليا، علما أنّ بعض الإنفراجات قد تحصل بالحوار الفوري مع الهيئات الإقتصادية لاعطاء زيادات للعمّال في القطاعات المربحة، فيما لن نجبر – على حد تعبيره – القطاعات غير المنتجة على ذلك، لافتا إلى أنّه إذا تعذّر الأمر، فلا بدّ من إعطاء سلفة غلاء المعيشة في قطاعات منتجة كالسوبرماركت، الصناعات الغذائية، الدوائية، الورقية، مواد التعقيم، الألبسة والأحذية وغيرها…، ولفت إلى أنّ بعض القطاعات قامت بهذه الخطوة، مشدّدا على ضرورة الحوار في لجنة المؤشر بين الدولة والهيئات الإقتصادية والاتحاد العمّالي العام، وأن يكون هناك عقد إجتماعي طارئ قائم على التضحيات بين الأفرقاء خاصة المنتجين، داعيا لحوار جدي يخلّص الطبقة العاملة من خطر الإنفجار الإجتماعي.
القطاع العام لا يحتمل أكثر من 6 أشهر
أمّا في حال تمكّنت الدولة من تأمين زيادات الأجور ومواردها، فهل سيتمكن للقطاع الخاص من استيعاب ذلك؟ يعتقد عكّوش أنّه يمكن للقطاع الخاص أن يستوعب الزيادات بشكل تدريجي إذا تمّت العملية بشكل مدروس، أما أن نطرح أرقاما خيالية 6 أو 7 مليون ليرة لبنانية كحد أدنى للاجور، فهذا رقم يستحيل أن يستوعبه القطاع العام أو الخاص، لذا يفترض أن نكون واقعيين بطروحاتنا وأن نحدّد قيمة الزيادة ونضيفها للرواتب، «فلا أستطيع اليوم أن أعطي 50% على كل الرواتب، فالمفروض من يأخذ راتبا مرتفعا أن يضحي للنهوض بالإقتصاد بشكل تدريجي».
وفق عكّوش ، لم يعد يقبل موظفو القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور الرسمي، إنّما أعطى بعضه زيادات لموظفيه، ولفت إلى أنّه برفع الحد الأدنى للأجور، ستعود القدرة الشرائية للقطاع العام ما سيحرك العجلة الإنتاجية في القطاع الخاص، فيما أشار الى أنّ البطاقة التمويلية كانت حلا طارئا أثناء الإقفال العام لدعم العائلات التي ليس لديها أيّ مورد رزق، أمّا اليوم فلا تحل المشكلة أبدا.
وحول إستراتيجية تعامل القطاع العام مع انخفاض القدرة الشرائية لموظفيه ، ذكر عكّوش أنّه يعتمد تعطيل الموظفين عدّة أيام، إلّا أنّ هذا يعطّل الإدارات العامة ومصالح المواطنين والخدمات، ونبّه أنّه إذا اعتمد في موضوع زيادة الأجر طريقة تشكيل لجان مؤشر فهذا يعني انتظار 6 أشهر وربما سنة لاقرار الزيادة، مؤكدا أنّ القطاع العام لا يحتمل اكثر من 6 اشهر، وأضاف أنّ رفع بدل النقل غير كاف، «يعني أنا اعطي الموظف كي يأتي لعمله، ولكن كيف يعيش ويأكل ويشرب ويؤمّن الأقساط الدراسية أو بدل إيجار منزله مثلا؟». مقترحا تأمين وسائل نقل «رخيصة» لكل المجتمع، وهذا ممكن تحقيقه بأقل من 6 أشهر إن اتخذ قرار جريء بهذا الموضوع.
الحل في حكومة إنقاذ وإغاثة دوليّة
برأي الأسمر الحلّ الجذري يبدأ مع تأليف حكومة إنقاذ تبادر الى حوار مع صندوق النقد الدولي والمنظمات العربية والأوروبية من أجل وضع خطة إنقاذ وإغاثة لمدة خمس سنوات على الصعيد التربوي والطبّي والإجتماعي والبيئي والمالي، وتثبيت سعر صرف الدولار، إنّما حتّى يحصل ذلك، لا بدّ من رفع الحد الأدنى للأجور ولواحقه كي نخفف من ويل هذه المأساة الإقتصادية.
بين انتظار رفع الدعم كليّا وانتظار تشكيل الحكومة، ينتظراللبناني رفع الحدّ الأدنى للأجور بعد تعديل بدل النقل الذي لا يزال متأخرا بأشواط عن جنون التسعيرة اليوم. وبين محطات الإنتظار تلك، لا يزال يصارع يوميّا للبقاء على قيد عيش لم يعهده قبلا، باتت جلّ أحلامه فيه تقتصرعلى لقمة خبز، وضوء مولد، وأجرة نقل، وتعليم، فأحلامه تبخّرت، في بلد يسلبه حكّامه أبسط مقوّمات العيش، فكيف بالأحلام!