مر أكثر من سنة على محاولات تأليف الحكومة العتيدة التي يحتاجها #لبنان بشدة مع ثلاثة رؤساء كلفوا تأليفها من دون نجاح حتى الآن ولكن من دون التنازل أيضا عن الشروط التي انتهى إليها التوافق على طبيعة الحكومة المقبلة. يعتقد سياسيون أنه في هذه المرحلة من الازمة وقبيل سنة وشهرين على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وبعدما باتت كرة التعطيل في ملعبه وحده فيما كانت ترمى في ملعب الرئيس #سعد الحريري لاعتبارات سياسية تواطأ بها كثر، فإن الانهيار الذي يغرق فيه البلد لن يعود إلى تراكمات الثلاثين سنة الماضية وفقا للمنطق الذي تم اعتماده في العامين الاخرين فحسب بل إلى رفض العهد تأليف الحكومة توقف هذا الانهيار وتمنع تحلل مؤسساته. فأن لا يعطى الرئيس عون ما يريده من أجل الافراج عن الحكومة حتى الان يجعل من الصعب اعطائه هذه التنازلات في هذا التوقيت وهذه الظروف. إذ عادة يتم انتظار عقد تسويات من أجل رئيس آت وليس إلى رئيس يفترض أن يغادر موقعه بعد سنة فيما أن الاشهر الستة الاخيرة أو حتى السنة الاخيرة من ولأيته تفقده الكثير من هيبته ونفوذه. وفي احوال الازمات التي مر فيها لبنان بما فيها بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، كانت نافذة تفتح من مكان ما لوساطة تمهد لوصول إلى تسوية سياسية وتبعاتها. تنفي هذه المصادر وجود أي أمر من هذا النوع في الافق راهنا لا سيما في ظل فشل المبادرة الفرنسية ليس في انتاج تسوية سياسية بل في انتاج حكومة تكون تعبيرا عنها بطيئة ما اقله لمدة قصيرة وفي نطاق معين بما يسمح بتجميد التسارع إلى الانهيار على الاقل ومنع سقوط لبنان كليا.
تقول المصادر السياسية ان المبادرة الفرنسية لا تزال وحدها موضوعة على الطاولة ولو بحدها الادنى أي تأليف حكومة تكتسب ثقة الداخل كما الخارج فيما أن لا مساومات تبدو في الافق أو قيد البحث. فلا واشنطن في وارد اعادة النظر في العقوبات على جبران باسيل ولا سبب لديها لذلك في حال كان الأمر متاحا وهو ليس كذلك، فيما تقف فرنسا على حدود الاعلان مع الاتحاد الأوروبي عن عقوبات على المعرقلين تأليف الحكومة في أيلول الطالع فيما صدقية فرنسا ازاء قدرتها على استخدام العصا كما الجزرة على المحك. وليس من أفق كذلك لأي دخول عربي على الخط في ظل المواقف المعروفة للدول العربية كمصر مثلا التي لعبت ادوارا في محطات متعددة ولا لأي من الدول الخليجية في ظل الموقف المعروف للمملكة السعودية، وذلك في حال التسليم جدلا بان ازمة الحكومة داخلية وتتصل أكثر ما تتصل بحسابات انتخابية نيابية ورئاسية ليس الا. ولعل الاشكالية الاساسية امام الرئيس عون كانت ولا تزال مع تكليف ميقاتي كما مع تكليف الحريري على رغم نجاحه في دفعه إلى الاعتذار عن تأليف الحكومة انه لا يحصل على الضمانات الداعمة من حليفه الشيعي الذي ليس من مصلحته منذ الان دخول البازار الرئاسي وفقا لحسابات عون. كما ان هذه المصادر ترسم علامات استفهام إذا كان الحزب سيرتكب الخطأ الذي ارتكبه بشار الاسد باصراره على التمديد لاميل لحود بدلا من الدفع إلى تأمين بديل ما ادى إلى خسارة جسيمة بالنسبة اليه ومكسب تاريخي للبنان لحسن الحظ، وذلك فيما انه يستطيع تأمين انتخاب لا يرتب عليه التبعات في حال استمرار عهد عون في شكل أو في آخر. أضف إلى ذلك ما يتصل بمجموعة من التعيينات والمطالب أو الضمانات التي يرغب بها العهد من أجل تأمين امساك باسيل بكل مفاتيح النفوذ المسيحي في السلطة حتى لو لم تتاح له فرصة الوصول إلى الرئاسة الأولى. إذ يرجح ان الحزب لن يقبل بتجريد الرئيس المقبل أيا كان ولا سيما إذا كان مدعوما من الحزب أو أحد مرشحيه من أي أوراق مسيحية أو نقاط قوة لانه لن يكون مفيدا له في هذه الحال.
فإذا كان خيار رئيس الجمهورية وفريقه الحؤول دون تأليف حكومة لما تبقى من عهده فان هذا الأمر سيكون خياره انما مع ضرورة الاخذ في الاعتبار انه بات في واجهة المآسي التي يعيشها اللبنانيون في ظل غياب حكومة يمكن تحميلها المسؤولية كما يجب وتاليا يصعب تسويق تياره من أجل الفوز في الانتخابات النيابية وفق ما يطمح وليس من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية علما ان عدم وجود أي جسر تواصل بينه وبين الغالبية من الافرقاء السياسيين تجعل من الصعب جدا القبول بإعطائه تسوية سياسية تظهره في موقع الغالب والمسيطر وتعزز له أوراقه على رغم ان مصلحة حليفه الشيعي على هذا الصعيد قد تكون متمايزة في مسألة الانتخابات النيابية عن تلك الرئاسية . ولكن الاثنتان لا تنفصلان في نتيجة الأمر والأولى توظف في نهاية الأمر لمصلحة الثانية. ومع ان الخارج العربي ليس متساهلا ازاء لبنان على الاطلاق ما يحول دون تساهل الافرقاء السياسيين في تسوية مع عون، فان أي واقع قد يستدرج أمرا من هذا النوع من غير المستبعد ان يؤدي إلى استمرار الاستنزاف نفسه والابتعاد عن لبنان من أجل ان يغدو ” فيتنام ” أيران قياسا إلى ما يعنيه اعادة تكرار تسوية 2016 من تحويل لبنان إلى المحور الإيراني وتتويج ذلك في الاسابيع الاخيرة بمساعي استقدام بواخر إيرانية تحمل نفطا إلى ” حزب الله” من دون أي رد فعل من رئيس الجمهورية وفريقه. وهو أمر سجله مراقبون ديبلوماسيون سلبا في خانة القبول بتعويمه تماما كما سجل سلبا وبقوة ائتمان باسيل الامين العام للحزب على حقوق المسيحيين. فهذا لا يمر في خانة الاستهلاك الداخلي الشعبوي بل في خانة الدول المؤثرة التي باتت تعول على الانتخابات النيابية بمقدار مواز لتأليف الحكومة وانما بعيدا من استعدادها أو رؤيتها لا تسوية محتملة راهنا أو قبل هذه الانتخابات ونتائجها، ولو انها تتمتع بموضوعية كافية ازاء رهاناتها على المجتمع المدني ومقدار نجاحه أو اتاحة الفرصة امامه للنجاح بناء على تقويم الاحزاب والتيارات لهذه الانتخابات مسبقا.
المصدر : النهار – روزانا بومنصف