في دائرة “مسكّرة” يدور “كومبارس” المشهد اللبناني منذ أكثر من عام، لتكرّ وتتوالد معهم سبحة كوارث ومصائب، في جولات تفاؤل يبثّها رسول من هنا وموفد من هناك، خلافاً للظاهر إلى العلن في شأن الولادة الحكومية، كما حلّ الأزمات، حيث باتت الإيجابية “نكتة” يتسلى بها اللبنانيون لملء الوقت الضائع، إنتظاراً في صف على محطة، أو طابور أمام فرن، أو ماراتون بحثاً عن دواء.
فتفاؤل الساعات الماضية، المبني على دخول “سندباد وبِساطه” على خط مفاوضات التأليف، لم يقترن حتى اللحظة بأي خطوة عملية، ما يستوجب عملاً بقاعدة “التكرار بعلّم ….” استمرار التحصّن بالتحفّظ والتريّث في انتظار ما قد تحمله الأيام القادمة، خصوصاً مع التساؤلات الدولية التي بدأت تُطرح حول جدوى “حكومة الترقيع” المطروحة، التي استحكمت النزاعات والمحاصصة تركيبتها حتى قبل أن تولد، حيث “باي باي” إصلاحات ومساعدات.
وعلى رغم تمسّك الرئيس المكلّف بالتشكيل واستكمال المساعي في اتجاهه، تجزم مصادر سياسية مطّلعة على أجواء عواصم القرار، بأن ما كُتب قد كُتب، مع سير البلاد بخطى ثابتة نحو الإنهيار الشامل في انتظار وضوح خارطة توزيع النفوذ الجديد في المنطقة، ومصير ما يتصل به من حشد وحزب، ولعلّ مضمون قرار التمديد ل”قوات الطوارئ الدولية”، حول تقديم المساعدات المادية للأشهر الستة المقبلة للجيش اللبناني والمواطنين في مناطق جنوب الليطاني، مؤشّر واضح لا لبس فيه.
من هنا، فإن توازن القوى الحالي مناسب لحارة حريك، التي باتت تلعب على “الحافة”، طالما أن الوضع لم يتجاوز الخط الأحمر الأمني، وطالما أن حزب المقاومة غير قادر على استخدام سلاحه العسكري، وسلّ سيف الفتنة، كما درجت العادة عند كل “زركة”، ما يعني أن كفّة الميزان لن “تطبش” لصالح فريق على حساب آخر، كما كان سائداً في مراحل سابقة.
وبعيداً عن التسريبات إن صحّت أم لا، وحفلات زجل البيانات والردّادة و”الطبّيلة والزمّيرة”، يبدو النائب الطرابلسي، الذي استفاق فجأة متذكّراً أنه من أصحاب “النمرة الزرقة”، “واقع بين شاقوفين” فهو لا مع بعبدا بخير ولا مع بيت الوسط سيكون إذا ما تنازل، في وقت تتطاير الأوراق فوق رأسه لتتكدّس جمراً تحت الرماد، وأبرزها:
تفعيل الطحشة القضائية العونية، سواء إجراءات “قاضية العهد” ضد حاكم مصرف لبنان، أو “بيطار الجمهورية” ضد “غرندايزر السراي”، الذي حرّك إحضاره “أمّة لا إله إلاّ الله” وصلت إلى قلب الضاحية الجنوبية التي ناصرت دار الفتوى، في حربها الإستباقية. وهنا، تُطرح من جديد مسألة التركيبة التي أُريد منها حشر الرئيس المكلّف عبر تسريب معروف المصدر عن شرط جنرال بعبدا قلب طاولة التعيينات الإدارية.
كلام رئيس الحكومة المكلّف العالي النبرة من على منبر “الحدث” حول حلم العودة إلى الجمهورية الأولى، مع ما يعنيه ذلك من نسف لاتفاق الطائف، وفي هذا المجال، حدّث ولا حرج، فجسم جنرال بعبدا تاريخياً “لبّيس” في هذه المسالة، هو الذي جاهر مراراً برفضه ورغبته بتغيير الواقع الدستوري القائم.
الأحداث الأمنية المتنقلة، والتي ثبت بالوجه الشرعي وقوف أيدٍ خفيّة خلفها، تحرّكها وتديرها، والأهم ثبوت أن وظيفة تلك الأحداث تتخطى مسألة الضغط من أجل تمرير التشكيل على “السخن”، مع تحوّلها إلى بالونات اختبار تمهيداً لعمل ما يجري الإعداد له في الغرف المُقفلة.
الضربة الموجعة التي وجّهت إلى لبنان، بدايةً عبر استبعاده عن مؤتمر بغداد، وثانياً عدم ذكر وزير الخارجية الإيرانية خلال اعتراضه على عدم دعوة سوريا للبنان، الذي على ما يبدو بات بالنسبة لطهران “في سيلتها اليمين”، بعدما أسقطته بواخر المحروقات والموقف الرسمي منها في حضن الجمهورية الإسلامية.
- الهجوم العنيف الذي شنّه “إستيذ” عين التينة على العهد وصهره بلهجة وعيد عالناعم، بعدما”كفّا ووفّا” جمهوره على الأرض في مغدوشة، وسط الحملات المستمرّة بين “الأخضر” و “البرتقالي” على وسائل التواصل الإجتماعي.
فهل بات نجيب العجيب مستعد لتلقّف كل تلك المتغيّرات والتعامل معها؟ وهل توحي كل تلك العوامل بأن “سندباد” جاهز لتحقيق خرق رغم قدراته الخارقة؟
واضح أن النائب الطرابلسي فهم جيداً الرسائل، خصوصاً بعد كلام أبو مصطفى، وهو يدرس خياراته بتمعّن: فإذا عدل العهد، استمر في التكليف… وإلا فإنه قد يعتذر، أو يقبل بفترة تأليف طويلة الأمد كما فعل سلفه شيخ الوسط.
ليبانون ديبايت” – ميشال نصر