في إشارة الى الواردات الكبرى التي كان يحققها الهاتف الخليوي، وصف الرئيس عمر كرامي هذا القطاع بأنه «بترول لبنان». ومثل أي واردات كبرى أو صغرى وردت الى موازنة الدولة أدمنت الحكومات اللبنانية تبديدها أما نهبا وسلبا أو بالفوائد السخية على المديونيات الضخمة التي كانت تعقدها بالدولارات أو بمسلسلات الرتب والرواتب والأجور التي كانت تتبرع بها لعشرات آلاف الموالين للسياسيين في مختلف أجهزة الحكم ودوائر الدولة، أو لقطاع الكهرباء الذي كان وما يزال «بالوعة» أموال لبنان بقدر ما كان قطاع الهاتف الخليوي وسواه من القطاعات «بترول لبنان» الذي تدفقت إليه عشرات مليارات الدولارات طوال الثلاثين سنة الماضية لا سيما في فترات ارتفع خلالها سعر برميل النفط ١٢٠ دولارا وارتفعت معه تحويلات اللبنانيين العاملين في دول الخليح وفي سائر أصقاع الأرض الى ما بلغ أحيانا ١٠ الى ١٢ مليار دولار سنويا أضيف إليها ما يربو على ٢٤ مليار دولار هرّبت من تداعيات الأزمة المالية العالمية الكبرى خلال السنوات ٢٠٠٨ – ٢٠١٠ الى مصارف لبنان التي بلغت ودائعها بالدولارات في حينه بالمقارنة مع عدد سكان بـ٥ ملايين نسمة، حجما قياسيا عالميا بلغ ١٢٠ مليار دولار لم يبقَ منها الآن نقدا أكثر من ١٥% والباقي تبدد في اقتصاد ريع واستيراد وسلب ونهب وفساد، في حين انه لو توافر القرار الاقتصادي الوطني السليم باستثمار هذه الأموال في الفرص والمجالات المنتجة لتخطى حجم الناتج المحلي الاجمالي الـ١٠٠ مليار دولار بدل الـ١٨ مليار دولار الآن، ولتخلص الاقتصاد اللبناني من كل أوبئة وأمراض الفقر والبطالة والعوز الذي بلغ حدود الجوع!
والأمثلة العكسية على هذه «العربدة» المالية – اللبنانية النادرة كثيرة، كان منها حالة «النروج» التي بعد محنة اقتصادية طويلة توافر لها عائدات مجزية من اكتشافات بترولية أولية فسارعت الى وضع خطط في اقتصاد حر وصف بأن له قلب ورأسمالية حكيمة ذات ضمير، بدأت بصندوق تقاعدي سخي لكل المواطنين إضافة الى صندوق سيادي اشتمل على استثمارات في مختلف المشاريع والفرص العالمية والى مشاريع انتاجية محلية في الطاقة المتجددة والكيماويات والأسماك والورق والسياحة وسواها بما جعل من النروج ليس فقط احدى طليعة دول العالم في حجم الناتج بالمقارنة مع عدد السكان وإنما أيضا الدولة الأولى في العالم في معدلات السعادة، بالمقارنة مع لبنان الذي بات «بفضل» حكامه وسياسييه بين طليعة دول العالم في معدلات الفقر والعوز والبطالة!
المصدر : ذو الفقار قبيسي في “اللواء”