لم يعد الصراع بين حركة “أمل” و”التيّار الوطني الحر” محصوراً بخلافات سياسية ولا بمصطلحات “بلطجية” ولا هو حتّى صراع نفوذ وزاري أو نيابي، فاليوم تحوّلت العلاقة بين الطرفين إلى صراع وجود على قاعدة “البقاء للأقوى”، الأمرُ الذي يُفسّر استحالة التلاقي السياسي بينهما بشكل أولي، وهذا ما يُترجم في جميع المحطّات التي مرّت بها العلاقة بين الطرفين، وثانياً، يظهر بشكل واضح أن كلاً من “أمل” و”التيار”، لديه مشروعاً يختلف عن الآخر يتعلّق بشكل الدولة والأُسس التي يجب أن تقوم عليها، بالإضافة إلى دور المؤسسات ووظيفتها بين الإستقلالية والتبعيّة.
تأخذ المعارك بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، طابعاً إصلاحياً يتعلق بمكافحة الفساد والهدر لا سيما الملفات المتعلقة بقطاع النفط والكهرباء، بالإضافة إلى ملف الترسيم الحدودي حيث أن لكل جهة، طريقة خاصّة لمخاطبة الودّ الخارجي من دون الوقوع في محظورات الداخل التي يضع “حزب الله” خطوطها العريضة، والذي يقوم على الدوام بضبط الإيقاع بينهما، في حال شذّ أي فريق عن “النوتة” السياسية التي تتطلّب المحافظة على تماسك الحلف وأهله.
هذا من الخارج، لكن الغوص في عمق الأزمات الناشبة بين “الحركة” و”التيار”، يؤدي إلى حقيقة واحدة هي، أن ما يجمع بينهما هو أقلّ بكثير مما يُفرّقهما خصوصاً وأن الفوارق “العشرة” بينهما، مكشوفة للعلن، ما يعني أن الهدئة بينهما هي تقطيع للوقت وأن ما ينتظرهما من “حروب” سياسية، قد تتخطّى حدود “اللعبة” وهذا ما ظهر من خلال حادثة بلدتي عنقون ومغدوشة في اليومين الماضيين، والتي كشفت أن القصّة ليست “رمانة” بل “قلوب مليانة”.
مصادر مقرّبة من “عين التينة” تُفسّر الصراع القائم بين “أمل” والتيار “العوني”، بأنه “صراع على سيادة لبنان وضمان العيش المُشترك كما أراده السيد موسى الصدر والنهج الذي تسير عليه “أمل”، في وقت نرى لدى الطرف المواجه، مشاريع خاصّة وفئوية ومُحاولة استعادة الخطابات الفئوية والطائفية والتحريضية، في وقت نحن بحاجة فيه إلى خطاب تهدئة وعقول وازنة تستطيع منع الخطر عن لبنان وشعبه. والأبرز من كل هذا الكلام، أن من لا يرى نفسه أهلاً للذود عن لبنان ومؤسساته وإبعاد “شبح” الفتن الأهلية، فليتنحّى جانباً وليترك إدارة البلاد لمن يستطيع تحمّل المسؤولية، خصوصاً في هذا الوقت الصعب”.
وبحسب المصادر نفسها، فإن استهداف “أمل” والرئيس بري، ليس وليد اليوم، إنما يعود للخيارات التي اتخذها رئيس مجلس النواب حيال انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بالإضافة إلى الخيار الوطني الذي اتخذه من خلال وقوفه الى جانب الرئيس سعد الحريري خلال مهمة تأليفه الحكومة، وبيانه الشهير الذي رفض فيه حصول أي جهة سياسية على “الثلث الضامن” بهدف التحكّم بالحكومة وتعطيل القرارات التي لا تتناسب مع الجهة الطامحة أو الساعية لهذا “الثلث”.
مُقابل وجهة نظر “عين التينة”، تظهر في المقابل وجهة نظر “عونيّة” تُشير إلى أن “ما حصل بالأمس في جنوب لبنان، هو رسالة واضحة بعثها بري لرئيس الجمهورية بأن أمن المسيحيين وتحديداً “التيار الوطني الحر” في جنوب لبنان، بيده هو وأن أي مواجهة سياسية سواء في الملف الحكومي أو في أي امر أخر لا يتماشى مع عقلية رئيس مجلس النواب، ستتمّ مواجهته في الشارع وتحديداً في “الخاصرة” المسيحية الأضعف. وقد تناسى هؤلاء أن زمن الإستضعاف قد ولّى، ومن كان محروماً ذات يوم، عليه أن يعلم ما يُمكن أن يولّده الإستضعاف”.
“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني