كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
لعل إنهيار العملة اللبنانية هو الموضوع الذي يجمع كافة طبقات المجتمع. فقد جعلت الأزمة اللبنانية جميع المواطنين سواسية، فهي لم تستثنِ أحداً، مما دفع الشعب للتهافت من أجل البحث عن حاجاته الأساسية، خاصة مع تدهور قيمة الليرة وتدني القدرة الشرائية بشكل لم تشهده من قبل، ووصل الوضع بأبناء الطبقة الوسطى أن أصبحوا مهددين بالفقر والعوز، أما أبناء الطبقة الفقيرة ازداد وضعهم سوءاً.
ولبنان الذي لطالما عرف بأنه “سويسرا الشرق” وكان يتمتع بمختلف الأشكال التي توظّف لخدمة السياحة والقطاع الخدماتي بالإجمال، أصبح يعاني من العجز في تأمين المستلزمات الضرورية حتى، وبات الفقر هو الصورة التي تعكس الواقع اللبناني.
ويشغل اللبناني نفسه يومياً بمراقبة تطبيقات السوق السوداء لمعرفة سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والذي يتأرجح اليوم ما بين 18.900 و 19.250 ليرة لبنانية، بعد أن كانت قيمتها منذ سنتين فقط 1515 ليرة وما يزال هذا هو السعر الرسمي اليوم.
هذه المشاكل انعكست على كافة مجالات الحياة، فلبنان بلد استيرادي بإمتياز، وفي الوقت الذي كانت العائلة بحاجة إلى حوالي 600.000 ليرة لتأمين حاجاتها الأساسية خلال الشهر، فهي تحتاج اليوم لحوالي 8 ملايين ليرة، ناهيك عن المستلزمات الاخرى وتكاليف الاستشفاء والبنزين والفواتير التي ترهق كاهل المواطن، أو حتى دفع إيجار المنزل أو تسديد قروض للبنك..
وتقابل هذه المعضلة أن الحد الأدنى للأجور لا يتعدى 675.000 ليرة، وبدأت الأصوات تعلو لرفع الحد الادنى، من دون الاكتراث للكارثة التي سيودي إليها الأمر من طبع المزيد من العملة اللبنانية الورقية، وبالتالي يزداد التضخم وترتفع القيمة الشرائية أكثر مما هي اليوم، أي أن الموضوع بات ينذر بكوارث ستتلاحق مع بعضها.
وقد تكاثرت بروباغندا السياسيين حول البطاقات التمويلية و”مَعْمَعَة” موضوع الدعم، أما الأدهى فهم المحللين الذين يتحفوننا يومياً بأخبار كارثية لا تنبئ إلا بالانفجار الشعبي وما سيرافقه من مجاعة ستطال كافة اللبنانيين.
تغنّى القدماء بلبنان ومناخه وقطاع خدماته ومأكولاته، لكن المعاصرون فتك السرطان بأجسادهم نتيجة تلوث المياه، وأنهك قطاع الخدمات وبات قريباً من الافلاس، اما المأكولات فحدث ولا حرج عن أسعارها الباهظة وجودتها.
لقد بات اللبناني محاصر بين فكيّ كمّاشة وهنا الفساد من جهة،. الجوع والفقر من جهة أخرى، حتى أن أحلام اللبناني انحصرت ضمن الحصول على دواء دون تكبّد عناء الذهاب عشرات المرات للصيدليات، أو الحصول على كيلو لحمة بسعر يتلاءم ووضعه المادي، أو حتى تعبئة وقود سيارته دون الانتظار لساعات لا تحصى من الذل والقهر.
إن الحرب الاقتصادية التي نعيشها اليوم، نهشت ما تبقّى من آمال اللبناني، ولعل هذا الوضع المزري لم يشهده حتى أبناء الحرب الاهلية، لكن الحياة المحيطة بنا اليوم خوّلتنا بتكون جسداً لا روح، بانتظار “المخلّص” الذي سينتشل لبنان من الدرك الاسفل.