لم يَعُد الملف الحكومي مُمِلّاً فقط، بل أصبح أكثر من مُخجِل، لكلّ مسؤول يدور حول نفسه، ويتكلّم، ويَعِد بما ليس أبعَد من أمر واحد، وهو أن “ما حدا طالع بإيدو شي”.
فكالعادة، جوهر المشاكل ليست أكثر من فواتير كثيرة ومُتبادَلَة، تتخلّف كلّ الأطراف الإقليمية والدولية، ومنظوماتها المحليّة، عن دفعها، وهو ما يمنع الإفراج عن أي شيء حالياً، على امتداد المنطقة عموماً.
فـ”حكومة المهمّة” (ما عادت كذلك)، هي في الأساس حكومة ما بَعْد انفجار مرفأ بيروت، أي حكومة نهاية مرحلة حُكم طبعَت لبنان منذ التسعينيات، وحتى 4 آب 2020، بكلّ تحالفاتها، وتوازناتها، ومعادلاتها.
وبما أن لا تحالفات أو توازنات ومعادلات بديلة ونهائية ناضجة بَعْد، حتى الساعة، نجد الحكومة اللبنانية مُجمَّدَة في المربّع هذا، بين أميركي حاضر وغائب في وقت واحد، وفرنسي – أوروبي مُبادِر وخائف “سوا سوا”، وإيراني لم يستحسن “السلوك الماكروني” في لبنان، وهو (الإيراني) قد يرغب بتلقين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون درساً، من مستوى عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية الى ما بعد نهاية “الحُكم الماكروني” في باريس، في أيار 2022، أو أيار 2027، إذا فاز (ماكرون) بولاية رئاسية ثانية، في الربيع القادم، لو عادت الأمور إليه (الإيراني) بالكامل.
وانطلاقاً ممّا سبق، نجد أن المدّة التي تفصلنا عن الإتّفاق على مرحلة حُكم ما بَعْد انفجار مرفأ بيروت، قادرة على سجن ليس فقط الحكومة وحدها، بل لبنان كبلد، وشعب، الى ما بَعْد زمن طويل. والتعاطي المحلي الرسمي مع التحقيقات في أسباب ما حصل في 4 آب 2020، يُظهِر أن لا جهوزية داخلية بَعْد لإخماد نيران الإنفجار، التي أحرقت حقبة لبنانية تتألّف من ثلاثة عقود تقريباً، قبل أن تُحرِق بيروت.
شدّد مصدر سياسي على أن “الأنانية الداخلية الحالية الطاغية على ملف تشكيل الحكومة، ما شهدها لبنان حتى في أيام الحرب الأهلية وصراعاتها. وليس طبيعياً أن تنعدم إمكانات وهوامش المساومات داخل مكوّنات سلطة معيّنة، الى هذا الحدّ”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “الخلافات بين الأفرقاء لا تقتصر على صعوبة الإتّفاق على تفاصيل حُكم لبنان في مرحلة ما بعد انفجار مرفأ بيروت، فقط، بل على ماذا سيحصل بعد انتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون أيضاً، مروراً بصعوبات محاولة الإتّفاق على مسألة من سيربح انتخابات عام 2022 النيابية، ونتائجها ومقاعدها، سلفاً”.
وأشار المصدر الى أن “الكلّ يتشاجرون على مرفأ بيروت، وعلى استجواب هذا أو ذاك، أو استدعاء هذا أو ذاك، بينما نجحوا كلّهم في التعمية على انعدام الخطط الداخلية لمستقبل العمل والأنشطة فيه، وسط عروض دولية في شأنه لا مواكبة لبنانية رسمية لها”.
وأضاف: “حمل الألماني ما حمله، والفرنسي أيضاً، من أفكار وعروض لمستقبل مرفأ العاصمة. فيما يُنتَظَر زيارة وفد روسي الأسبوع القادم، للحديث عن بعض المشاريع الروسية في لبنان، ومنها ما يتعلّق بمرفأ بيروت. والمُضحِك المُبكي، هو أن لا قدرة داخلية على المضيّ بالتحقيقات في أسباب ما حصل في 4 آب 2020، ولا على استجواب أحد. فالتحقيقات انتهت عملياً، لأن الإرادة الحاكمة أقوى منها”.
وختم: “الشعب اللبناني أُنهِكَ بأزمات وتفاصيل كثيرة، وهو لا يُدرِك الى أين يُسيَّر، في ظلّ جبهة معارضة غير موجودة فعلياً على الأرض. فعلى سبيل المثال، استعمال “واتساب” لا يزال مُتاحاً في لبنان اليوم، ولكن ليس معلوماً الى أي مدى يمكن الإبقاء على تلك الخدمة، في وقت قريب. “حرام بالفعل” الشعب اللبناني، لأنه لا يعلم الى أي انهيار سيصل”.