يقول الذين يعرفونه قبل أن يدخل الحياة السياسية من الأبواب التي لها علاقة بالحظ، كما غيره من السياسيين الذين ورثوا مقاعدهم عائليًا، ولو عن غير جدارة، إنه ومنذ أيام كان طالبًا ثانويًا وحتى في الجامعة كان يفتعل المشاكل بين الطلاب والتلامذة عن طريق بث الخلافات بينهم.
هكذا كان. وهكذا هو اليوم وغدًا. لا شيء تغيّر. لا في الأسلوب ولا في الوسائل. الطريقة التي كانت معتمدة عندما كان شابًا هي نفسها لا تزال مستحكمة بسلوكه السياسي.
هذا ما يقوله عنه الذين يعرفونه حق معرفة. وهذا ما يلمسه لمس اليد واليقين جميع الذين يضطّرون للتعاطي معه، مباشرة أو بالواسطة. لا شيء تغيّر.
إنها الميكيافلية ذاتها. إنها “الشطارة” على الطريقة اللبنانية. أو على قول المثل “كيف ما كبيتو بيجي واقف”، أو “بيشلا من تمّ السبع”. هذه المواصفات وغيرها الكثير تنطبق عليه. هذا ما لمسه الذين تعرقلت مساعيهم بالأمس في عدم تمكّنهم من التفاهم على أسس واضحة وثابتة لأي تشكيلة حكومية ووصلوا إلى الطريق المسدود. وهذا ما بدأ يكتشفه الذين أُسندت إليهم آخر مهمّة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك عندما يتفاجأون بالشروط التعجيزية، التي تهبط من حيث لا يدرون ولا يتوقعون كهبوط المطر في فصل الصيف.
هو نفسه الذي كان يحرّك الإضطرابات المدرسية، فيحرّض الطلاب على بعضهم البعض، ويثير الفتن بينهم وبين الإدارة، وهو يقف متفرجًا، أو كما يُقال بالفرنسية “sainte- nitouche”، وعلى وجهه براءة الأطفال.
يُروى أنه بعد كل مشكل كان “يطلع من متل الشعرة من العجينة”. القصاص كان يطال الجميع من دون إستثناء. أمّا هو فكان ينال الأوسمة والثناء لحسن سلوكه، ولتجنّبه الإنخراط في أي مشكلة مع التلاميذ أو الإدارة.
الحقّ كان دائمًا على الآخرين. وهذا هي الحال اليوم. فعندما يُصادف أن يُسجّل أي إنجاز، حتى ولو كان صغيرًا، يُنسب الفضل إليه وحده. أمّا في حالات الفشل، وهي كثيرة، فهي من صنع الآخرين، وأن لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. وتُغسل الأيادي، ويقال “أنا بريء من دم هذا الصدّيق”.
وما نسرده نقلًا عن شهود لا يزالون أحياء يُرزقون، وأطال الله بأعمارهم، ليس تحاملًا، بقدر ما هو حقيقة دامغة ومثبتة، وإن كانت القرائن تُحفظ لغير هذه الأوقات.
العراقيل التي لا تزال توضع في دواليب عربة الذين خوّلهم الدستور دون غيرهم صلاحية إقتراح التشكيلة الحكومية المناسبة والمتطابقة مع الظروف التي يعيشها لبنان حاليًا، ليست من صنع الأشباح، بل يقف وراءها من كان يقف وراء كل “الخربطات”، التي دفعت الرئيس المكّلف السابق إلى الإعتذار. وهذا ما يحاول القيام به اليوم.
فهل من لا يريد أن تبصر أي حكومة النور، وهل يتم افتعال كل تلك الذرائع الواهية لكي تبقى البلاد من دون حكومة فاعلة يعّول عليها اللبنانيون الكثير، وكذلك المجتمع الدولي؟
فإذا كان هذا هو المطلوب، أي الوصول إلى الإنتخابات النيابية بحكومة هي أشبه بحكومة، وبوزيرين للداخلية والعدلية مطواعين، فإن كل ما يُبذل من مساعٍ، وكل ما يُعقد من إجتماعات، تبقى من دون نتيجة تُذكر.
ولكن، وعلى رغم هذا الواقع المأسوي والمزري فإن ثمة من لا يزال يؤمن بقيامة قريبة للبنان، وأن التسليم بهذا الواقع المرير ليس من شيمهم، وأنهم لم يعتادوا رمي السلاح فيما المعارك طاحنة.