تسرَّع فريق الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في الإعلان عن زيارة له الى قصر بعبدا، سرعان ما عاد وأعلن إرجاءها، تسريباً، من دون معرفة الخلفيات التي أمْلت هذا التسريب ومسبباته. وترى أوساط سياسية رفيعة أن هذا السلوك أدى الى بلبلة وتشويش على سياق المشاورات الحكومية كان بالإمكان تفاديه في هذه الظروف الدقيقة. وتلفت الى وجود بعضٍ من الاستسهال والتسرع والإرتجال لا بد من تداركه منعاً لتكرار أمر مماثل.
ولدى جهات رسمية تحفظات عن سلوك مماثل من التسريبات ترفض الخوض في تفاصيلها، لكنها في الوقت نفسه تبدي حرصاً على أهمية إحتضان عملية التشاور الحكومي وصولاً الى تحقيق التأليف، الذي برأيها يمكن ان يتحقق هذا الأسبوع في حال عقد الرئيس المكلف العزم. وتكشف هذه الجهات أن تسهيلات جمّة مُدّت بها المهمة الحكومية، بدءاً من العناوين العريضة للحكومة، وليس إنتهاءً بتركيبتها وتوزيعاتها على المذاهب، وصولاً الى المرشحين، لكن ثمة قطبة مخفية في مكان ما كانت تؤدي في كل مرة إلى إعادة خلط أوراق الاتفاقات التي كانت تحصل في إجتماعات القصر، فترفع لوائح جديدة مغايرة.
وإذ تنأى الجهات الرسمية بنفسها عن الخوض في مزيد من التفاصيل، تتحدث معلومات موثوقة عن ضغوط يتعرّض لها الرئيس المكلف دفعته أكثر من مرة إلى تغيير لوائح وتعديل أسماء وتوزيعات. كما تكشف عن ممارسات غير مقبولة، مثل عناد غير مفهوم لفرض أسماء عليه من جانب أحزاب تحت طائلة استنكافها عن المشاركة في الحكومة، الأمر الذي تكرر مع ثلاثة أحزاب، واحد مناطقي يصر على وزيرين مارونيين أحدهما قريب من نائب كسرواني، وثانٍ عقائدي لم يقبل حتى النقاش بإسم مرشحه أو مذهبه، وثالثٍ مخضرم يقول زعيمه انه لا يريد شيئاً في العلن، لكنه اشترط حقيبة وربط بها اسم مرشحه. ولا يخفى في هذا السياق، وفق الجهات نفسها، دور تيار “المستقبل” والرئيس سعد الحريري تحديداً في الضغط للتأثير على وجهة وزارتين يعتبرهما أساسيتين في المرحلة المقبلة، وخصوصا في إدارة العملية الإنتخابية، وهما الداخلية والعدل.
لذا كان تدخلّه واضحاً لإستبعاد مرشّحين للداخلية وإثنين آخرَين للعدل، وفي ذهنه انهما الوزارتان اللتان سيخوض من خلالهما حرب الإنتخابات النيابية ضد رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر. في الموازاة، نفت مصادر مسؤولة في اتصال مع “ليبانون فايلز” لحظ تدخل خارجي وتحديداً فرنسي، ذو شأن مؤثر في المسار الحالي للتأليف، خلافاً لما تردّده أوساط سياسية وإعلامية في سياق بروباغندا معروفة الغاية. وكشفت المصادر، أن الاتصالات التي يجريها المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل تقتصر على الاسراع في التأليف وعلى الحض على المبادرة وعدم الإستسهال أو الاستنكاف.
ولاحظت غياب عامل التهديد والوعيد بالعقوبات الفرنسية أو حتى الأوروبية في هذه المرحلة، ربما لتوضّح الصورة داخل الإتحاد الأوروبي وللمسار القانوني والإجرائي المفترض إتباعه، والذي لا يجعل مسألة صدور أي عقوبة بالشكل السهل الذي تخيلته أو تصورته أو سوّقته جهات لبنانية.