كتب ذو الفقار قبيسي في “اللواء”:
مع اقتراب انتهاء مدة الصلاحية المعطاة من مجلس النواب لرفع السرية المصرفية في موضوع التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، هل غاب عن الرئيس عون المبادر في طلب التدقيق، فكرة أنه قبل اتخاذ أي مبادرة وإدارة متابعتها لا بد من التأكد انها ستنفذ وأن الحماية ستواكب التنفيذ حتى النهاية؟
أو أن رئيس الجمهورية الذي تمرُّ سنوات طوال في الحكم وعمادا في قيادة الجيش وضابطا في المعارك العسكرية لا يحتاج الى من يذكّره بقواعد الإدارة، وبالتالي كان يدرك جيدا ومنذ أن طرح مشروع التدقيق الجنائي، أن عقبات كأداء ستقف في طريق تنفيذه، لكنه رغم ذلك أراد تسديد الكرة في ملعب المعارضين والمخاصمين بأنه أكثر الجميع حرصا على المال العام.
وبالتالي فإن المثل الأصح في موضوع التدقيق الجنائي ليس «الأعمال بالنيات» ولكن «النيات بالأعمال» حيث الثابت من حرق عديد المراحل دون الوصول حتى الآن الى التنفيذ، ان النية هي طرح الموضوع دون تنفيذه، ودون أن تظهر لدى الرئيس أو لدى التيار الوطني الحر أي محاولة أو جهد لوقف أو معالجة العقبات والعراقيل التي تعترض التنفيذ، ومنها إطالة مهلة المفاوضات مع شركة المحاسبة التي ستتولى التدقيق بما استهلك شهورا من المدة المحددة للانجاز والتي لم يبقَ حتى الآن سوى ٤ شهور من أصل مهلة السنة التي نص عليها قانون تعليق أحكام السرية المصرفية بهدف إجراء التدقيق الجنائي حتى نهاية العام، وسيستهلك من هذه المهلة مدة أسبوعين يفترض أن يقدم خلالها مصرف لبنان المعلومات المطلوبة، إضافة الى ١٢ أسبوعا يفترض أن تقدم شركة التدقيق تقريرها الأوّلي، وبما مجموعه ١٤ أسبوعا أو بما يقترب من نحو ٤ شهور تكون بعدها مهلة تعليق السرية المصرفية قد انتهت، ويبقى المشروع عندها برمّته إما بحاجة الى تشريع جديد من مجلس النواب أو إعادة تقييم من جديد أو تأجيل الى أمد غير محدد وهذا هو الأرجح، وتكون البلاد قد دخلت في مرحلة انتخابات النيابية وصولا الى انتخابات رئاسية تشغل مجلس النواب ورئيس الجمهورية عن أي تدقيق أو تحقيق.
ومثل هذه النتائج المرتقبة، يصحّ السؤال ما إذا كان كل من الرئيس عون وتياره السياسي على علم مسبق بأن تدقيقا ضخما بهذا المستوى يطال عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من القيودات والمعاملات منذ العام ١٩٩٣ وحتى اليوم، لا يمكن أن يتم دون رفع سرية مصرفية ما أن يبدأ مفعولها حتى تنتهي صلاحيتها، لا سيما أن من أهم الاعتراضات على المشروع انه يستحيل تنفيذه في أطار مصرف لبنان فقط وإنما ينبغي أن يشمل التدقيق بكل حسابات مؤسسات الدولة التي اتصلت بها أو انتهت إليها الأموال المصروفة عبر مصرف لبنان من موارد واحتياطيات، بما لا تكفيه شهورا بل سنوات!