أعطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين الاسبوع الماضي (16 الجاري) جرعة تفاؤل حيال تشكيل حكومة خلال أيام، بيد أن 9 ايام قضت على موقف الرئيس عون من دون أن تبرز أية مؤشرات إيجابية توحي أن الحكومة العتيدة ستبصر النور، إذ أن الأمور تزداد تعقيداً وتلبداً، ومرد ذلك، وفق المعتابعين، الصراع أولاً واخيراً حول الدستور والصلاحيات. وما يجري على خط الحقائب الوزارية وتوزيعها يصب في خانة الثلث المعطّل الذي يجهد العهد في تكريسه من منطلق أن مداولات الطائف أشارت إلى أنها حقّ مقدَّس لرئاسة الجمهورية، لذلك يدفع الى الذهاب نحو اجراء تعديلات على النظام السياسي وكسر توازنات اتفاق الطائف.
تنتهي ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول 2022 والانتخابات الرئاسية يجب أن تجرى على الاقل قبل شهرين من موعد انتهاء ولاية الرئيس، وهذا يعني ان تسعة أشهر تفصل عن الاستحقاق الرئاسي من دون أن يغير الرئيس عون من سياسته وممارساته تجاه الازمة الراهنة. فمنذ 17 تشرين 2019 والبلد يتخبط من كل حدب وصوب، وإذا كانت الأكثرية قد اطاحت بحكومة الرئيس حسان دياب بعدما سمته، فإن حال المراوحة تسيطر على الأجواء السياسية منذ ذلك الحين رغم كل المبادرات التي قادها الفرنسيون والمصريون والروس، فأخفق السفير مصطفى أديب الذي تمّ تكليفه تأليف الحكومة في 31 آب 2020، واعتذر بعد أربعة أسابيع على تكليفه، ثم اعتذر الرئيس سعد الحريري بعد أشهر 10على تكليفه الذي تم في 22 تشرين الأول الماضي، ليمضي شهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي من دون اي تقدم يذكر على صعيد مفاوضات التأليف التي يتخللها مد وجز من جراء المواقف المتدحرجة لرئيس الجمهورية من مسألة الاسماء والحقائب وفق توصيف مصادر بارزة في 8 آذار التي لا تخفي قناعتها الراسخة بأن المشاورات الجارية على الخط الحكومي لن تصل إلى النتيجة المرجوة.
وسط حديث عن زيارة لم تتأكد بعد للرئيس المكلف الى بعبدا اليوم، تتفاوت نسب التفاؤل من ولادة الحكومة العتيدة، وبينما يظن البعض ان لا محالة من تشكيل حكومة ولو طالت المفاوضات قليلا، خاصة وأن كسر الجمود السائد مرتبط بخرق ما خارجي، يرى البعض الاخر أن الايام الثلاثة المقبلة ستكون فاصلة لجهة التأليف أو عدمه. وهنا يبرز السؤال “العقدة” هل يريد رئيس الجمهورية فعلا تأليف حكومة؟ وأين مصلحة العهد في عرقلة التشكيل؟
يتلاقى خصوم العهد وبعض حلفائه على القول إن رئيس الجمهورية لن يتساهل في مفاوضات التأليف اذا لم تتوافق مع حساباته السياسية وحسابات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والتي تفرض أن يمسكا بناصية القرار السياسي داخل الحكومة للتعامل مع المرحلة المقبلة باستحقاقاتها وما قد يترتب عنها في حال عدم انجازها في موعدها. وهذا يعني أن الرئيس عون خاض ويخوض في مفاوضاته ما يسميه معركة وجود متسلحا بالتوقيع الأخير.
وهنا تقول اوساط سياسية: إما أن يشكل الرئيس عون حكومة كما يريد وتسمع كلمته في أروقة وزارتي الداخلية والعدل على وجه الخصوص، أو فليبقى الوضع على ما هو عليه، لناحية اهتمام حكومة تصريف الاعمال بايجاد حلول ترقيعية لبعض الملفات الاجتماعية والمعيشية من جراء الازمة الاقتصادية والمالية التي ستقف عائقا امام انصراف حكومة دياب الى اجراء الانتخابات النيابية، وعندها لن يكون امام البرلمان الا التمديد لنفسه وهذا بحد ذاته قد يكون مقدمة لمطالبة الرئيس عون بتعديل الدستور، لأنه في حال مدد المجلس لنفسه فإنه لن يسلم السلطة بعد انتهاء ولايته. علما أن مصادر مقربة من التيار الوطني الحر، ترى أن الوضع الراهن لا يمكن ان يستمر من دون معالجة على الصعد كافة، وهذا يتطلب بالدرجة الاولى حكومة يتمتع وزراؤها بالكفاءة ويحظون بالتقة محليا وخارجيا، على ان يكون التدقيق الجنائي المالي من أولى اولوياتها، واي كلام آخر لا يعنينا، خاصة وان نيات مطلقيه معروفة الاهداف.
في الخلاصة، ثمة من يدفع بلبنان نحو الانتحار. الاموال نفدت. الدعم رفع. احتكار المحروقات والادوية على قدم وساق. طوابير الذل لا تنتهي. وكل ذلك يعود الى سياسات العهد منذ انتخاب الرئيس عون، يقول احد العونيين القدامى. فعندما اتفق الرئيس عون والنائب باسيل مع الرئيس الحريري اتفقوا على حساب اللبنانيين. وعندما اختلفوا وتضاربت مصالحهم، ذهب “شعب لبنان العظيم” مجددا ضحيتهم وضاع فرق عملة.
لبنان 24