ما أن دارت محرّكاتها استعداداً للانطلاق في رحلة محفوفة بالتحدّيات، حتى دخلت باخرة النفط الإيرانية على الفور في المياه الإقليمية السياسية للبنان، وصارت جزءاً من مواد النزاع الداخلي وأدبياته.
مع استمرار الأخذ والردّ حول الحكومة الميقاتية، هناك من اعتبر انّ باخرة المازوت الإيرانية التي قرّر «حزب الله» أن يأتي بها إلى لبنان، انما شكّلت عبئاً ثقيلاً وحمولة زائدة على محاولات التشكيل، وذهب البعض الى الافتراض، انّ الولادة الحكومية لن تتمّ قبل أن ترسو السفينة على برّ، وذلك حتى لا يدفع ميقاتي ثمنها السياسي من جيبه.
وعلى وقع الضجيج الداخلي، تواصل السفينة الإيرانية إبحارها وفق الخط والخطة المرسومين لها، بمواكبة حثيثة من قيادة الحزب التي تملك وحدها، إلى جانب طهران، التفاصيل والإحداثيات المتعلقة بحركة السفينة في البحر وسط الأمواج الإقليمية والدولية، مع تكتم شديد على المسافة التي قطعتها حتى الآن، والممرات التي تعبرها خلال سيرها، والمكان المقرّر لرسوها وتوقيت وصولها.
اما الربط بين الحكومة والباخرة فهو، وفق الحزب، مفتعل وخبيث، «والهدف منه تحميل مسؤولية تأخير التشكيل الى إيران وحليفها اللبناني، امتداداً للسياق الذي يربط الملف الحكومي بالحوار الأميركي- الإيراني ومفاوضات فيينا، في حين يعلم الجميع بأنّ عِقَد التأليف من نوع آخر تماماً، وتتعلق بالتجاذب حول أسماء وحقائب، وهذه العِقَد موجودة قبل الإعلان عن انطلاق الباخرة وبقيت بعده، وبالتالي ليس هناك أدنى علاقة بين الأمرين».
ويشدّد الحزب على انّه كان ولا يزال من اشدّ الداعمين لتشكيل الحكومة من دون ابطاء، «كما يدل تمسّكنا بالرئيس سعد الحريري طويلاً ثم تسميتنا للرئيس نجيب ميقاتي».
ويسأل الحزب، تبعاً للمطلعين على موقفه: «حسناً.. أين كانت السفينة الإيرانية منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي وحتى ايام قليلة خلت؟ وأين كانت هذه السفينة على امتداد 11 شهراً، بقي خلالها الرئيس سعد الحريري مكلّفاً من دون أن ينجح في تشكيل الحكومة؟».
وخلافاً للمتداول في بعض الأوساط، يعتبر الحزب انّ سفينة المازوت الإيرانية كان لها دور المحفّز للتعجيل في تأليف الحكومة وليس العكس، «اذ انّ السفيرة الأميركية في بيروت سارعت الى حضّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على التشكيل، من أجل قطع الطريق على مبادرة الحزب إلى استيراد النفط الإيراني ومحاولة تنفيسها، وهذا لا يزعجنا بتاتاً، لأنّ الاستثناء هو ان نبادر الى استيراد النفط تحت وطأة ضرورات ملحّة، بينما القاعدة هي وجود حكومة اصيلة تتحمّل مسؤولياتها وتعالج أزمة المحروقات».
وانطلاقاً من هذه المعادلة، يعتبر الحزب انّه إذا ساهم ضغط السفينة في الدفع نحو إنجاز الحكومة يكون ذلك جيداً «وزيادة الخير خير»، وإذا ادّى فقط الى التخفيف من أزمة المحروقات في حدّ ذاتها فهذا جيد أيضاً، وفي الحالتين المردود ايجابي.
ويحرص الحزب على التأكيد، انّ سفينة النفط الإيرانية هي اساساً نتيجة للأزمة وليست سبباً لها، «ولو لم يحصل نقص حاد في مادتي المازوت والبنزين، ولو لم تتعثر ولادة الحكومة المولجة بإيحاد الحلول طيلة سنة تقريباً، ما كانت ستنشأ حاجة إلى الاستعانة بالنفط الإيراني».
من هنا، يدعو الحزب إلى عدم تضييع البوصلة والانجراف وراء استنتاجات لا صلة لها بالواقع، مشدّداً على أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في الباخرة الإيرانية «وإنما في عجز الدولة عن تأدية أبسط واجباتها حيال مواطنيها الذين يتعرّضون للحصار والإذلال، في مشهد ليس بمقدور «حزب الله» التغاضي عنه اياً كانت التبعات»، كما يؤكّد القريبون منه.
ووفق مقاربة الحزب، انّ كميات المحروقات التي جرى تخزينها او تهريبها تفوق بأشواط الكمية المستوردة عبر السفينة الإيرانية. وكذلك فإنّ التخبّط الرسمي في شأن التسعيرة ورفع الدعم يزيدان الطين بلّة، ومؤدى ذلك كله، في رأيه، انّ المطلوب اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف هذا النزيف النفطي على حساب حقوق الناس وكراماتهم، «ما يضع الحكومة اللبنانية أمام الامتحان لا الباخرة الإيرانية».
ويوحي الحزب بأنّ سفينته تراعي «ظروف» الدولة، وهي ليست في صدد إحراجها، «وهذا ما يفّسر انّ اي طلب رسمي باستيراد المحروقات من إيران لم يُرفع الى المديرية العامة للنفط».
ويرى الحزب، انّ أهمية السفينة المبحرة لا تتصل بحجم المازوت الذي تحمله على متنها «وإنما بمبدأ اتخاذ قرار جلبها، الذي أثبت انّ هناك من لا يخشى الحصار والضغوط، وهو مستعد لفعل كل شيء يمكنه تخفيض منسوب معاناة اللبنانيين».
الجمهورية- عماد مرمل