كتب لبنى عويضة في “سكوبات عالمية”:
فيدرالية على مقياس السلطة
بين فترات متزامنة ومنذ الثمانينات، طرحت “الفيدرالية” كحل لخروج لبنان من أزماته، وهذا الطرح يقابله جدال واسع المدى بين مؤيد ومعارض.
ولعل عدم الاستقرار الذي شبَّ عليه الشعب اللبناني ما هو إلا دليل كافٍ على عجز اللبنانيين عن التعايش مع بعضهم البعض، أو بالاحرى رفضهم لمبدأ التعايش من الأساس.
فلماذا تعود الفيدرالية بين الفينة والأخرى إلى الواجهة؟
يقوم النظام اللبناني الحالي على مبدأ الديمقراطية التوافقية بين الطوائف والمحاصصة بينها على مختلف القطاعات والمؤسسات، كما أن هذا النظام يحمي التعايش بين مكونات الدولة الطائفية، وهو بدوره ما يكرّس التقسيم الطائفي، إذ تُمنح كل طائفة مكتسبات وقوانين خاصة ومناطق لها إضافة إلى الأحزاب، وهذا ما عززه اتفاق الطائف الذي أنهى بموجبه الحرب الاهلية اللبنانية.
إن نبش الغبار عن الفيدرالية والخرائط الملونة والتقسيم والتجزئة لم تغب عن أذهان المسؤولين، أو تحديداً من هم “أمراء الحرب” والذين يترأسون اليوم مقاليد السلطة. ويمكن القول أننا نعيش في فيدرالية مقننة ومشرعة ومعلنة بين الطوائف، لكنها لم تنجح في إنتاج دولة ديمقراطية ولم تهدف لجعل أبناء الوطن باختلافاتهم يداً واحدة، ضف لذلك هشاشة الأمن والاستقرار الداخلي.
وهذه النقطة ستكون اليوم نقطة الانطلاق نحو التقسيم، فالمشاكل الأمنية تعصف بكافة المناطق، والأزمات المعيشية تهطل كالمطر على رؤوس اللبناني، وحيث أن الشعب بطبيعته طائفي فكل فرد أو جماعة سيسعى لحماية أبناء طائفته أو منطقته أو بيئته، حيث أن المواطنة شبه غائبة عند أغلب اللبنانيين.
وفي ظل الجيل الخامس من الحروب والتي تفرض على لبنان حصاراً أميركياً وضغوطاً اقتصادية، يرافقها الفراغ في مؤسسات الدولة الرسمية وفوضى أمنية وزعزعة الأمن الاجتماعي…
كل ما سبق من شأنه أن يؤسس لانهيار مدوّي في المجتمع اللبناني، وفوضى خلّاقة بدون شك ستدفع للفيدرالية والأمن الذاتي في كل منطقة.
وما بين السطور يظهر أن سقوط لبنان أصبح ضرورياً لإعادة بناء المنطقة العربية، وبالتحديد لبنان، سوريا، والعراق؛ فهذه الدول لها تأثيراً قوياً على مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ومعالم الفيدرالية ظهرت مؤخراً بالعمل التخريبي عندما تم احراق محوّل الكهرباء في قصقص وقطع التغذية الكهربائية عن المناطق، لم يكن إلا رسالة غير مباشرة، ناهيك عن كون الاشرفية بدأت بممارسة إدارة ذاتية.
والإدارة الذاتية تبدأ من المولدات الخاصة والمياه والتحكم حتى بمحطات المحروقات، وهذا ما قامت به بلدية الغازية منذ أيامٍ مضت، وأصدرت قراراً باستلام محطة البيضاء وتنظيمها لخدمة أبناء المنطقة فقط وضمن شروط جرى وضعها للحد قدر الإمكان من استغلال السوق السوداء.
وبهذا يمكن الاعتقاد بكون الفيدرالية هي ملجأ لبنان الوحيد، كونها من جهة تصبح مقننة وتخفف من عبء التوريث السياسي والحد من الطائفية والاكتفاء الذاتي لكل منطقة، لكنه من جهة أخرى افراط في السذاجة إذ أن مساحة لبنان صغيرة جداً لجعله دولة فيدرالية، فهذا ما تقوم به الدول الشاسعة المساحات. وتجدر الإشارة أن جميع المسؤولين يحاولون وضع نظام يصب في مصلحتهم الشخصية تحت شعارات طائفية، والتغاضي عن مصالح المواطن التي أضحت أبسط حقوق ومقومات الحياة وتحوّلت إلى حلمٍ، من الطبابة، إلى التعليم، والغذاء، والماء…
فيحيا المواطن أولاً.. ولتسقط السلطة العفنة!