سيء جدا كان مشهد مجلس النواب بالأمس، ففي الوقت الذي يكاد فيه اللبنانيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة جراء الأزمات التي تتوالد تباعا، كان هناك تحت قبة البرلمان إنفصال كامل عن الواقع الأليم، ولامبالاة بوجع الناس ومعاناتهم والمخاطر التي تهدد حياتهم، وذلك لمصلحة شعبوية ممجوجة باتت مكشوفة ولم تعد تنطلي على المواطنين الذين ملوا وسئموا التصريحات والمماحكات وتحميل المسؤوليات ، جمعيها لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يساعد في تعبئة السيارة بصفيحة من البنزين.
يمكن القول إن الانقسام العمودي في مجلس النواب لم يصب بالأساس في مصلحة اللبنانيين، بل حاولت الكتل النيابية إدارة الأذن الطرشاء لأوجاع الناس والقفز الى الأمام لتحقيق شعبية هنا أو إرضاء شارع هناك.
لم يقرأ النواب الذين طالبوا برفع الدعم آثاره الشعبية جيدا، وأنه سيؤدي الى إفقار اللبنانيين الذين ، بعدما تعرضوا لسرقة موصوفة لأموالهم من البنوك، وخسروا من قيمة رواتبهم ومدخراتهم 90 بالمئة، وباتت رواتبهم هي الأقل على صعيد العالم، يأتي رفع الدعم ليجهز عليهم ويدخلهم في مجاعة حقيقية، خصوصا أن البطاقة التمويلية ما تزال “سرابا يحسبه الظمآن ماء”..
أما النواب الذين يصرون على عدم رفع الدعم، فهم يشرعون سرقة ما بقي من أموال المودعين في المصارف غير آبهين بالتداعيات التي يمكن ان تنتج عن ذلك، علما أن مجلس النواب لا يملك أن يشرع سرقة موصوفة من هذا النوع لأن هذا الأمر مخالف للقوانين، ويعطي ما لا يملك لمن لا يستحق.
واللافت أنه بدل أن يجتمع النواب بعيدا عن المناكفات للتفتيش عن حل وسط يستطيع تأمين المواد المشمولة بالدعم حاليا بأقل الخسائر الممكنة أو توفير دعمها من مصادر أخرى من دون اللجوء الى أحد الحلين الكارثيين، سارعوا الى التلهي في كيفية تسجيل النقاط على بعضهم البعض وتبادل الاتهامات والانتقادات ما يؤكد أن السلطة السياسية باتت فاقدة لأي نوع من أنواع الحلول، وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
في غضون ذلك، غرق بعض النواب بالتناقضات التي أظهرت ضعف مواقفهم وحرصهم على ممارسة الشعبوية، فقرار رفع الدعم الذي أعلنه الحاكم رياض سلامة كان أبلغه الى مجلس الدفاع الأعلى، وهو متخذ بإجماع أعضاء المجلس المركزي الذين ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة، ما يعني أن الجميع كانوا على علم برفع الدعم، لكنهم حرصوا على إظهار الصدمة تجاهه لتمريره على شعب لبنان العظيم من دون أن تلحق بهم خسائر شعبية، فضلا عن أن من كان يتظاهر تحت منزل رياض سلامة لمنعه من تبديد أموال المودعين بات اليوم يدعوه الى الاستمرار بالدعم الذي سيكون من أموال المودعين أنفسهم.
بدا واضحا أن أكثرية الكتل النيابية حاولت التنصل من مسؤولياتها، والتلطي خلف حكومة تصريف الأعمال التي دخلت في الكوما حتى قبل إستقالتها، كما سعت الى رمي أثقال الأزمات على الحكومة المقبلة التي من المفترض في حال أبصرت النور أن تساهم في وقف الانهيار وإعادة الانتظام الى مؤسسات الدولة.
لكن تلك الكتل تناست أن بعضها مسؤول بشكل مباشر عن عرقلة التأليف، وبالتالي كان الأجدى بها، بدل التباكي على هموم الناس وذرف دموع التماسيح على طوابير الذل، أن تساعد في تشكيل الحكومة التي يبدو أنها ما تزال عالقة على عدد من الحقائب التي يريد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن يسمي لها الأكثر خبرة وكفاءة، وليس الأكثر ولاء أو صداقة.
وفي هذا الاطار، يبدو أن الرئيس المكلف الذي زار رئيس الجمهورية ١٢ مرة في إطار مساعيه الايجابية لتشكيل الحكومة بات يجري إتصالاته عن بُعد، تاركا الزيارة ال١٣ لوضع اللمسات الأخيرة تمهيدا لزيارة تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا، هذا في حال إقتنع من في القصر أن الرئيس ميقاتي يريد تشكيل حكومة إستثنائية لمواجهة ظرف إستثنائي، وليس حكومة جوائز ترضية.