منذ أيام أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قراراً أساسياً حمل الرقم 13353 يتعلّق بفرض قيود استثنائية على بعض العمليات التي تقوم بها المصارف. وبموجب القرار حظر “المركزي” على المصارف احتساب الأموال المحولة من الخارج و/أو الأموال التي تتلقاها نقدًا بالعملات الأجنبية، بأي شكل كان من عملائها أو لمصلحتهم، بما يفوق قيمتها”، على أن يستثنى من هذا الحظر “المبالغ المتلقاة بالعملات الأجنبية والمستعملة لتسوية نهائية لكامل دين متوجب على العميل على أن يتم إعلام لجنة الرقابة على المصارف بهذه التسوية”.
كما حظر على المصارف “شراء العملات الأجنبية في السوق الموازية، إلا أنه يمكنها شراء العملات الأجنبية المحولة مباشرة من الخارج لزبائنها على سعر السوق، وذلك حصراً لغايات استثمارية متوسطة وطويلة الأجل أو لتحسين نسب السيولة أو لتسديد التزامات في الخارج على أن يتم تسجيل هذه العمليات على المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة”، كما حظر عليها “بيع وشراء الشيكات والحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية لحسابها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
وبحسب القرار “على المصارف التصريح للجنة الرقابة على المصارف، خلال مهلة حدها الأقصى 15/9/2012، عن مجموع كل من العمليات موضوع المقطع “أولًا” من المادة الأولى وموضوع البند (1) والبند (2) من المادة الثانية أعلاه والتي قامت بها منذ العام 2019 حتى تاريخ صدور هذا القرار وذلك وفقًا لكل نوع من هذه العمليات”.
وقد حظر التعميم على المصارف احتساب نوعين من الأموال المتلقاة من الجمهور بأعلى من قيمتها الحقيقية، هي الأموال المحولة من الخارج كما وتلك التي تتلقاها نقداً بالعملات الأجنبية. واستثنى من هذا الحظر الأموال التي تسدد لها لتسوية دين متوجب بذمة العميل بالعملة الأجنبية بشرط إعلام لجنة الرقابة على المصارف بتلك العمليات. أما الاحتسابات للودائع بأعلى من قيمتها التي أجرتها المصارف بشكل مخالف للقانون منذ العام 2019 فقد ألزمها فقط بأن تصرح عنها إلى لجنة الرقابة على المصارف ضمن فترة تنتهي بحدّ أقصى بتاريخ: 15/9/2021. ووفق المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها، المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر، فإن “المركزي” جاء ليقطع الشك باليقين بأن القطاع المصرفي تعمّد وبغية جذب الودائع أن يسجلها لصاحب الوديعة بقيمة أعلى من قيمتها الفعلية. وهذا أمر قد يحمل في طياته ومفاعيله جرائم جنائية مالية يحظرها القانون لا سيما وأنه يمنع بموجب أحكام المادة 489 من قانون التجارة دعم الثقة المالية من خلال وسائل يظهر بجلاء أنها غير شرعية، وقد حظر أيضاً على المصارف شراء #الدولار أو أي عملة أجنبية من السوق الموازية. وبرأي ضاهر فإن “هذا إثبات مكتوب بأن المصارف هي من تضارب على العملة الوطنية بالسوق السوداء، وهذا أمر خطير جداً في أبعاده، إلاّ أن المركزي وبمقابل هذا الحظر أحل لها غنيمة أخرى، إذ سمح لها أن تستولي على تلك الدولارات المحولة حديثا من الخارج أي تلك المساق تعريفها من المركزي بالأموال الجديدة، وأن تسددها للمودع بالليرة أي أنه وبصريح العبارة قد منحها تعويضاً بالمقابل ينصرف حتماً من جيب المودع”. ويخشى ضاهر أن “تباشر المصارف بالاستيلاء على تلك الأموال بما سيدفع المغترب إلى إيجاد وسيلة أخرى لإتمام التحويل إلى أهله في الداخل، علماً أن الأمر غير اليقيني في متن هذا التعميم هو ما قاله للمصارف من أن تسدد هذه الأموال الجديدة بالصورة البدلية وعلى أساس سعر السوق إنما أي سوق منه؟ إذ أنه لو أراد التأكيد على أن الاحتساب سيكون على أساس السوق الموازي لكان أشار إلى ذلك صراحة في متن التعميم الأمر غير الحاصل والذي قد يفتح شهية المصارف، ومع إعادة تأكيدنا هنا أن حكم الوديعة لا يصح إيفاؤها إلا عيناً أي بعملتها”.
ومن ناحية أخرى، يحظر التعميم على المصارف شراء الشيكات والحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية، وهذا الأمر برأي ضاهر “يثبت مدى الخروقات التي اقترفتها المصارف في الفترة المنصرمة لا سيما وان الحساب المصرفي ليس سلعة قابلة للبيع والشراء، ويُعاب على المركزي عدم تدخله في السابق لمنع المصارف من إتمام هذا الإجراء غير القانوني طيلة تلك الفترة كما وعدم فرضه جزاء على هذه المخالفات القانونية المقترفة منها لأنه اكتفى بتحظير ارتكاب هذا الفعل للمستقبل فقط”.
ما تقدم يستدعي بعض الأسئلة من ضاهر وأهمها “من الذي يشتري الحسابات المصرفية؟ وبشكل أوضح من الذي يشتري القطاع المصرفي المتوقف عن الدفع؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟”.
أما لماذا الآن قد حظر عليها الشراء من السوق الموازية، ولم يفعل ذلك سابقاً، فإن ذلك يعود برأي ضاهر لأن “المركزي يريد إزاحة أو إبعاد مضارب قوي من أمامه ليتمكن هو من الشراء منفرداً بغياب أي مضاربة قوية، والسبب قد يكون عدم امتلاكه سيولة لتأمين استبدال الليرات بالعملة الصعبة من أجل فتح اعتمادات للسلع الاستهلاكية”.
من جهة أخرى، وبالنسبة للقرار الخاص بالدولار الجمركي المرتقب والذي تنكب عليه وزارة المال و”المركزي”وسنداً لما جرى تسريبه، رأى ضاهر أنه يتضمن عدداً من المخالفات أهمها أن هذا تشريع لضريبة غير مباشرة بدون نص تشريعي يجيز ذلك، وهذا أمر يحرّمه القانون بشكل قاطع. ولفت إلى “مخالفة فاضحة لقانون المالية العامة الذي يحظر تخصيص مدخول ضريبة لفئة معينة من الشعب وهم وفق ما جرى تسريبه فئة الموظفين العامين الأمر الذي يسبب هتكاً لمبدأ مساواة الضريبة وعدالتها، علماً أن أثر هذه الضريبة غير المباشرة سيكون كارثياً على المواطن على اعتبار أنها ستؤدي الى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وتالياً سينعكس سلباً على الكافة باستثناء القلة المستفيدة من النظام، وهذا ما يدل على أن المعالجة المتبعة قاصرة من الناحية العلمية، وهو ما قد سيؤدي إلى خلق سعر صرف جديد. ومن هذا المنطلق يصبح القرار المرتقب معرضاً للإبطال أمام القضاء لأنه يحوي مخالفات لا تستوي ولا تستقيم في بلد ما زال يحكمه القانون”.
النهار