على قاعدة عاشر القوم أربعين سنة يا بتصير متلن يا بتحلّ عنن، أخرج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، أرنب النفط من عباءته، في الوقت الذي كانت فيه الأنظار متّجهة إلى “داخونة” قصر بعبدا لمعرفة نتائج الإستشارات الحكومية، على وقع البيانات والردود “الملغومة”. ولأن عاصمة المقاومة، تعرف في علم الغيب الحكومي ومندله الرئاسي، قررت إعلان جهاد النفط، ضد الولايات المتحدة وعملائها في الداخل والخارج، في معركة “عضّ صبيع” الكلمة الفصل فيها يحدّدها من يصرخ بالآخ أولاً، فيما الشعب اللبناني “عاضد عا جرحه وساكت”، بعدما أقنعوه بأنهم أصحاب الكلام إلى أن يحين موعد فتح الصناديق، وهو على بساطه “غاشي وماشي”.
فذكرى عاشوراء لعام 2021، بأيامها العشرة قد دخلت التاريخ اللبناني، مع تتويجها بإعلان سقوط الدولة لصالح مشروع الدويلة ونظامها الإقتصادي والإجتماعي والعسكري، ليس نتيجةً لقوة القائمين عليه، بل تأكيداً لخنوع شعب واستسلامه دون قتال خوفاً، وطغمةً حاكمة بمسؤوليها وموظفيها، قررت التنازل عما ائتُمنت عليه من تاريخ وحاضر ومستقبل. فاليوم مازوت وبكرا بنزين وبعده لا أحد يعرف، وبين كل ذلك مواطنون فرحون بكسر شوكة تل أبيب وواشنطن، على عماهم، مقابل من ثار وأطلق العنان لحرب ساحتها وسائل التواصل الإجتماعي، “راس سقفها كم كلمة وعليكم السلام”.
في الإعلان الرسمي للوسيط، إن حاملة المازوت التي أصبحت أرضاً لبنانية عائمة ستغادر إيران في غضون ساعات لتصل إلى لبنان بحماية الحسين، سالمةً غانمة. أما ما تبقّى من الدولة اللبنانية “فعم يرجف خايف” “لا مع سته بخير ولا مع جده بخير” ، لتبلغ المسرحية عمقها التراجيدي مع تأكيد المديرية العامة للنفط عدم ورود أي طلب إليها بهذا الخصوص. طبعاً هي مسخرة بكل ما للكلمة من معنى، إذ لا أحد مهتم أساساً لها أو “قاريها”. ففي سبيل المقاومة يرخص كل شيئ وتُباح المحظورات…. شو كم مقاومة، من شعب الله المختار” عن حق وحقيق عنّا” وسط جهنم العملاء والخونة؟
في كل الأحوال، وكي لا يأخذ علينا كتبة التقارير وموزعو شهادات الجدارة الوطنية، استطرادنا في المهاجمة الوجدانية وصفّ الحكي ل”الجهاد النفط” بعدما نجحت تجربة الجهاد الزراعي، وبتنا نسبح في بحور رب البندورة، ونحشّ كل شي أخضر من بقدونس ونعنع وتوابعهما، وقوي نظرنا من أكل الجزر، وغرقت الأسواق بالخيار وما لذّ وطاب، لا بدّ من التوقف أمام بعض النقاط الأساسية في كلام “أبو هادي” والمتعلقة بالسياسة اللبنانية حصراً، بعيداً عن الإقليميات والمسائل الدينية، وأبرزها:
– يُسجل لأمين عام “حزب الله” أنه أدخلنا مباشرةً على خط الحرب البحرية الإسرائيلية الإيرانية، باعتباره حاملة النفط الإيرانية أرضاً لبنانية، في الوقت الذي تذهب فيه كل من واشنطن وتل أبيب إلى مزيد من التشدد في المنطقة، القائم على “قمع” أي محاولات للإخلال بأمن المنطقة أو التوازنات فيها.
ولكن مهلاً على ماذا تعتمد حارة حريك في ثقتها المفرطة تلك؟ هل إن الحالة ستكون بحماية بحرية الحرس الثوري وغواصاته؟ أم إنها ستكون من عداد القوافل المتجهة إلى سوريا بحماية الأسطول الروسي؟ وما هي العلاقة بين هذا الإعلان وتوقيت إقفال إحدى اكبر شركات توريد البنزين والمازوت إلى لبنان، محطاتها في لبنان؟ وهل إن السيد نصرالله أراد بخطوته الإلتفاف على اؤلئك الذين سحبوا منه ورقة مزارع شبعا البحرية؟
– عودة خطاب المقاومة والممانعة إلى لهجته وتعابيره الخشبية وشعارات الموت لأمريكا بعد فترة هدنة بدأت عام 2015 مع توقيع الإتفاق النووي الإيراني. هنا قد يكون من المفيد جداً البحث عما تبلّغه الأمين العام من تقارير عن محاضر اجتماع مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز في بيروت خلال زيارته،”الأمنية” إلى بيروت، وكذلك اللقاءات الرئاسية للسفيرة دوروثي شيا التي حرّكت وكر دبابير الردّيدة والمنغّمين.
– تهديده لأكثر من نصف الشعب اللبناني، على الأقل، بأنه سيلقى نفس مصير الأفغان مع انسحاب الأميركيين من أفغانستان وسقوط النظام في يد طالبان. فهل يظن السيّد انه بتلك السهولة يستطيع أن يقتلع هذا القسم من الشعب اللبناني من أرضه وتاريخه. قد تكفيه مراجعة بسيطة للتاريخ ليعتبر، وإلاّ فالطريق الأقصر هو سؤال حليفه عن نظريات دين براون المؤامراتية ورفض المسيحيين الرحيل بالبواخر. ولكن من هو صاحب التقارير المكتوبة الذي لم يجد إلاّ متعاملين مع أميركا؟ ومن قال إننا لسنا أصدقاء لواشنطن كما تدّعون لأنفسكم بالنسبة لإيران؟ في كل الأحوال يكفي أن نحيلكم إلى حادثة شويا وردود الفعل عليها لتعرفوا تماما أن المسيحيين والدروز والسنة، أين هم من مشروعكم، ولتدركوا ماذا جنت تقارير صغاركم وسياساتكم بحق اللبنانيين.
– عدم اختلاف اثنين في لبنان على أن تعطيل الحكومة هو من فعل الحزب عن سابق إصرار وتصميم، بعدما فقد كل مقومات قوته السياسية مع السقوط المدوي لحكومة غرندايزر اللون الواحد، والتي من بعدها ما عاد ثقل الحارة الحكومي ليكون كما كان. وبالمناسبة كيف لمن عطّل الحكم والبلد سنتين لإيصال مرشحه الرئاسي إلى قصر بعبدا أن يكون عاجزاً عن الضغط على نفس هذا الطرف لتمرير تشكيل الحكومة، مع إقرارنا الكامل بأن من أنهى وأسقط عهد جنرال اليرزة هو أولاً وثانياً وثالثاً “حزب الله”.
– إصراره على أحادية اتخاذ القرار الإستراتيجي بإلحاق لبنان بمحور الممانعة صراحةً، بعد مصادرته لقرار الحرب والسلم العسكري، خلافاً لرغبة معظم اللبنانيين الذين يعرفون سبب العلّة والمصيبة، في فقدان كل مقومات الحياة الأساسية. فالحزب يريد مرةً جديدة هزيمة الولايات المتحدة عبر كسر العقوبات المفروضة على طهران، بعدما لم يتعلم مما جرّه علينا قراره بالإلتفاف على قانون قيصر والذي كلّف فقدان المازوت والبنزين واستنزاف مليارات الدولارات من أموال اللبنانيين. فهل برأيكم تتحمل الدولة بمؤسساتها الرسمية تبعات هكذا قرارات وما قد يترتّب عليها من عقوبات؟
وبالمناسبة وفقاً لأي سعر للدولار ستُباع “التنكة” في السوق اللبناني؟ هنا أيضاً لا بد من لفت النظر إلى موضوع اقتصادي ومالي قد يعرّض الأمن القومي اللبناني للخطر، في حال تقرر تسديد قيمة هذه الشحنات بالليرة اللبنانية والذي قد يصل إلى تريليونات الليرات ما قد يسبّب خروج كتلة من النقد المحلي ضخمة تسيطر عليها جهة أجنبية، دون أن نسقط عامل الإنكماش من حساباتنا.
غير أن فرحة الممانعين والمقاومين لم تصل لقرعتهم، إذ نزولاً عند رغبتهم وتحت ضغط الحزب، “لكّت أميركا” وفقاً لبعض سُذج هذا المحور، رغم أن الخطوة الأميركية التي أعلن عنها بدأ بحثها نهاية حزيران الماضي وجرى تنسيق الإتصالات في شأنها مع مصر والأردن، أملاً في تخفيف الإحتقان الموجود في الشمال تحديداً، في مرحلتها الأولى، بعد مشاهدات “دورا” الشخصية خلال جولاتها في الشمال لأكثر من مرة. ولكن هل بدأ السباق بين واشنطن وطهران على بيروت، ودخلنا مرحلة “سولد وأكبر” في سوق المزادات؟ وهل حاول السيد القوطبة على المسعى الأميركي السابق لتحركه؟
“يا عنتر مين عنترك، تعنترت وما حدن ردني”… بدايةً من زيارة الرئيس نجاد وصولا إلى الدواء والنفط والغذاء الإيراني، بعد الدولار الشرعي النظيف، “خوش أمديد جمهوري إسلامي”… ولكن مش كل مرة بتسلم الجرّة يقول الشاطر حسن، وللبناني الغاشي بما سمع، إسمع تفرح جرّب تحزن … وغدا لناظره أقرب مما تظنون
ليبانون ديبايت” – ميشال نصر