من كان يظنّ أنه بإمكاننا أن نصل الى اليوم الذي تُقطَع فيه الحياة عن الناس في لبنان، بهذه الطريقة؟
البلد يعيش أزمة حقيقية، منذ أواخر صيف عام 2019. ولكنّه نُقِل من واقع تبخُّر أموال الناس في المصارف، والتلاعُب بسعر صرف الدولار، ومعه بأسعار المواد الغذائية والبضائع والسِّلَع، على مدى سنة ونصف تقريباً، (نُقِلَ) الى حالة من الموت التدريجي المُتسارِع، قوامه قَطْع الأدوية والمستلزمات الطبيّة المقصود، بالإضافة الى الإمعان في احتكار وتخزين المحروقات، الذي لا يُهدّد بزيادة الطوابير أمام محطات البنزين فقط، بل بانقطاع كلّي للكهرباء، وبأزمات معيشية إضافية، وصولاً الى فقدان خدمات الإنترنت. فهل يُعزَل لبنان عن العالم، بقَطْع خدمة الإنترنت فيه؟ وماذا لو بلغنا مرحلة انقطاع خدمات شركات الإتّصالات الخلوية أيضاً، على نطاق واسع؟
عزل البلدان أو الأقاليم عن الخارج، يمهّد في العادة لإحراقها وإغراقها، وإبادة من فيها، بموازاة نقل حقائق مُوجَّهَة عمّا يحصل في الداخل، الى العالم الخارجي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن المجتمع الدولي يتفرّج على اللبنانيين يموتون على الطُّرُقات، وفي المستشفيات، وفي المنازل، نُدرِك أن وسائل الإعلام العالمية لن تنقل عن بلدنا إلا الصّورة التي تريدها حكومات دولها، لا أكثر ولا أقلّ، ومهما استفحلت أزماتنا.
فهل ينقطع لبنان عن العالم بالفعل، بعدما لم يَعُد مُمكناً استبعاد أي فرضيّة أو احتمال، طالما أن كلّ الخطوط الحمراء أُسقِطَت، في حرب الإبادة التي تقتل الشّعب اللبناني يومياً؟
رأى الخبير في قطاع الإتصالات طوني حايك أن “انقطاع لبنان عن العالم الخارجي يحتاج الى وجود فريق يوُجِّه العمل على هذا الأمر، وأخذ البلد في هذا الاتّجاه. ولكن الفوضى التي نعيشها تؤكّد أنّنا في مزرعة، لا أحد من مسؤوليها يعلم ماذا يحصل فيها، ولا ما يتوجّب عليه أن يفعله، من أعلى الهرم في السلطة الى أسفله. وهو ما يُظهِر أن لا قدرة لدى أحد على وضع خُطَط توجّه البلد الى أي مكان”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “المشاكل تتوالد تباعاً، مثل حلقات تتفكّك ضمن سلسلة من الانهيار، يفرضه غياب الدولة. وهذا يعني أن لا أحد قادراً على فعل شيء، سوى الاكتفاء بردّات الفعل. فالأزمات تفرض نفسها الى درجة أن فقدان الخدمات الأساسية من البلد، خرج من أيدي الجميع، بنسبة كبيرة جدّاً”.
عن احتمال انقطاع الإنترنت عن لبنان كلياً لفترة طويلة، والنتائج المُتوقَّعَة في تلك الحالة، أجاب حايك: “انقطاع الإنترنت كلياً يؤدي الى إقفال الشركات والمؤسّسات، فيما التعاملات مع الخارج تتوقّف، خصوصاً على صعيد ما تبقى من القطاع المصرفي. وهو ما سيتسبّب بأزمة مالية جديدة في البلد، تُضاف الى تلك الموجودة حالياً. فضلاً عن توقُّف حجوزات الطيران، وعمليات تحويل الأموال الى الخارج، وتلقّي الأموال منه. وهذه التحاويل بملايين الدولارات، شهرياً”.
وختم: “مختلف الأزمات ستزداد وستتضاعف في تلك الحالة، الى جانب المزيد من فقدان القدرة على تشخيصها للخروج منها. ولكن لا يُعقَل أن نصل الى تلك المرحلة. ففي أسوأ الأحوال، قد تتوقّف خدمات الإنترنت في مناطق الأطراف، بموازاة الحفاظ عليها في “السنترالات” الأساسية التي توزّع الإنترنت في البلد”.