رفعُ الدولار الجمركي إلى 3900 بدل 1500 خطوة صحيحة بإتجاه إسترداد جزء من أموال الدولة التي يتهرّب التجّار من تسديدها إلى ماليّة الدولة، مع تضخم أرباحهم ما بين سعر صرف الدولار الجُمركي وسعر صرف السوق، وهي خطوة يُمكن أن تؤمّن للدولة ما يُقدّر بـ550 مليار ليرة، لكن إرتداده على المواطن قد يكون سلبياً إن لم تٌشدِّد مديرية حماية المُستهلك من رقابتها على الأسعار بعد تطبيق القرار.
ويكشفُ الخبير المالي والإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديثٍ إلى “ليبانون ديبايت” أنّ “الفارق بين الدولار الجمركي 1500 والدولار الرسمي أو السوق السوداء 20000 كان يذهبُ إلى جيوب التجّار، لأنّهم كانو يدفعون الرسوم كلّها على الـ1500 ويبيعون السلع للمُستهلك على سعر صرف السوق، فكانت الأموال تدخل جيوبهم دون وجه حقّ، وبما أنّ هذه الأموال تُدفع للتجّار كاش فإنّ وزارة المال عاجزة عن معرفة حجم أرباحهم ولا تستطيع جَبي الضرائب على سعر صرف دولار السوق لأن التجار يُصرّحون عن البيع على سعر الـ1500، إذًا الفارق يَذهب إلى التجّار وهي بالحقيقة أموال خياليّة وليست بسيطة”.
وليس مِن العدل برأيه أن يذهب الفارق بين سِعرَي الصرف إلى جيوب هؤلاء، فهم بهذا الفعل يقومون بالتهرّب الضريبي أولاً، وهم يُحمّلون المواطن ثانياً عبء هذا الفارق على أساس أنّ الدولة قد إستوفت منهم الرسوم وفق سعر السوق وهو طبعاً غير صحيح، وهو ما يعتبره القانون “سرقة المال العام” وبالتالي يُمكن ملاحقة أي تاجر إذا ثبُت هذا الفعل عليه.
ويؤكّد انّ “السطو على المال العام هو جرم كبير في القانون، ويُمكن ملاحقة التجّار على خلفيتها لكنهم يتمتعون في لبنان بحماية وغطاء من اصحاب النفوذ”.
ويُنبّه الى أنّ “التجار يَحرمون المواطن من هذا المال الذي هو حق للدولة، وهم يتسببون بالمجاعة بشكل أو بآخر، لأن المواطن أصبح قاصراً في الازمة الحالية عن تأمين مأكله ومشربه”.
كما ان التجّار “يُخسِّرون” المالية العامة للدولة بما أنّ الفوارق المالية هذه تُحرم منها وزارة المالية التي لا تأخذ الضرائب وفق أرباحهم الحقيقية أي ان تهربهم الضريبي أحد عوامل العجز في المالية العامة.
ويعتبرُ عجاقة انه “برفع سعر الصرف للدولار الجمركي يقلصون الفارق ، وبالتالي تحصل الدولة على جزء بسيط من ارباح التجّار غير المشروعة، ويُوزع هذا المدخول على شكل مساعدات اجتماعية على موظفي الدولة”.
إلّا ان “هذا الاجراء برأيه، وعلى الرغم من صوابيته، لا يزال غير عادل لأن التاجر سيدفع على سعر 3900 ويبيع المواطن على سعر 20 ألف”.
ويُشير إلى نقطة سلبية أخرى، بعد تطبيق القرار، وهي لجوء التجّار على رفع الأسعار لتعويض جزء من “الخسارة” في الأرباح التي كان يجنوها على سعر الدولار الجمركي السابق.
وإزاء هذه التوقّعات يُطالب عجاقة بالتشدد من قبل مديرية حماية المستهلك لمراقبة الاسعار وإلّا فإنّه “سيكون ضربة كبيرة للمستهلك، خصوصاً اننا نعرف ما يُمارسه التجار من إحتكار وجشع”.
وفي هذا الإطار، يلفتُ إلى انّه “في كل دول العالم ليس هناك ما يُسمّى ضمير، بل قوانين، فلا يُمكن الإتكال على ضمير الشخص ليفعل الصواب بل على القانون فان خالفه يُلاحق”.
ويُكرِّر أنّ “قيمة الخسارة في هذا الإطار خياليّة فالتقديرات للخسارة بين 1500 و3990 يَصل إلى 550 مليار ليرة فكيف الفارق مع سعر السوق اي 20 الفاً فان الرقم قد يصل الى 3 او 4 ترليون ليرة لبنانيّة”.
ويكشفُ أنّ “الهدف من رفع الدولار الجمركي هو أيضاً تخفيف الإستيراد، خصوصاً على البضائع غير الضرورية أو هي من باب الكماليّات، فَمن يستطيع الدفع يستطيع شراء تلك الكماليّات أمّا من لا يملك المال الوفير فإن هذا سيلجمه عن شراء تلك الكماليات وبالتالي فان الإستيراد سيتضاءل نتيجة تراجع الطلب على السلعة”.
ويُوضح أنّ الكثير من السلع والبضائع معفية ، وان الجمرك هو على جزء بسيط من البضائع المستوردة لا يتعدى الـ5 %.
وهَل المفروض أن يكون الدولار الجمركي على أساس 3900 أم على الجمارك رفعه إلى سعر السوق؟ يُفسّر بأن التسعير الآن على 3900 هو بمثابة تجربة ومراقبة ارتداداتها السلبية على المواطن بفعل جشع التجار، إلّا أنّ عليهم فعل اللازم، لأن المال العام مال مقدّس لا يمكن السماح لأحد بمدّ اليد عليه، وإذا حاول أحد مدّ اليد عليه ولم يأخذ قصاصه فإن غيره سيتجرأ لمد يده ايضاً، فمن الضروري الاهتمام بحق تحصيل حقوق الدولة مهما حصل، مؤكداً أنّ قدسية المال العام ثقافة غير موجودة في لبنان، وخطوة رفع سعر الدولار الجمركي خطوة صغيرة لإسترداد جزء من المال العام، مع ضرورة التشدد على عمل مديرية حماية المُستهلك لتضرب بيد من حديد ومنع غلاء الاسعار المحتمل الناتج عند تطبيق هذه العملية.
“ليبانون ديبايت”