حتى لو صحت التقديرات الأكثر تفاؤلاً باحتمال استيلاد الحكومة الجديدة بين الخميس والسبت المقبلين، فان ذلك لم يعد كافياً بحجب او تقليل جسامة حجم حريق التليل في عكار فجر الاحد الماضي، تلك المجزرة الأكبر بعد انفجار مرفأ بيروت التي ازهقت أرواح نحو 27 ضحية كما طاولت بحروقها المتفاوتة الاخطار اكثر من 80 شخصاً.
بعد يومين، بدت البلاد تحت وطأة الوقائع التي تكشفت عنها الكارثة والتي تمثلت في انكشاف مريع للفوضى في ظل ازمة المحروقات التي كانت وراء تجمع عشرات الأشخاص من التليل والبلدات المجاورة بمكان اكتشف فيه مخزن بنزين كان الجيش قد افرغ الكثير من الكمية المختزنة فيه، وحين بدأ المواطنون تقاسم الكمية الباقية دوى الانفجار المرعب والحارق وسط ترجيح نظرية ان احدهم اشعل قداحة. واذا كان هذا الانفجار سلط تكراراً وبقوة الأضواء على واقع التخزين والتهريب المتفاقم للوقود الى سوريا سواء ثبت ان المتورطين في التخزين كانوا يهربون المادة الى سوريا ام لا، فان الانفجار كشف عمق التداعيات الخطيرة التي تركت البلاد تتخبط فيها تحت تلاعب الجهات المعروفة في أزمة المحروقات بهدف تصفية الحسابات بين السلطة السياسية ومصرف لبنان فجاء الانفجار الدامي ليعيد اسم لبنان خارجياً كبلد منكوب بدولته وسلطته.
ولم تقف حدود التداعيات عند الحصيلة المفجعة وعدم التوصل بعد، كالعادة، الى أي نتائج حاسمة للتحقيقات لجلاء حقيقة اشتعال عشرات الأشخاص بهذا الشكل المريع، بل ان تداعيات سياسية بالغة الخطورة نشأت عن الانفجار وتمدّد لهبه ليحاصر قصر بعبدا في ظل التراشق البالغ العنف الذي حصل بين الرئيس سعد الحريري و”التيار الوطني الحر” مع انفتاح جبهة عنيفة جداً كادت تتطور الى ما لا يحمد عقباه من حساسيات طائفية. كما ينبغي التوقف عند تطور مفصلي من خلال مبادرة كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى الدعوة الصريحة الواضحة المباشرة الى استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون .
ويمكن القول ان الرئيس عون قدم بنفسه الذريعة الأخطر لإشعال المطالبة باستقالته، اذ اطلق موقفاً خلال ترؤسه اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، بدا كأنه اتهام استفزازي خطير لمنطقة عكار بكاملها باحتضان تيارات متشددة بما يتطابق مع مزاعم حرفية مماثلة لرئيس التيار العوني جبران باسيل الذي وصف عكار بانها أصبحت منطقة خارجة عن الدولة تحت سيطرة عصابات التهريب.
ولعل هذا التطور السلبي الذي استدعى تدخلات أدت الى مبادرة كل من الحريري “والتيار الوطني الحر” الى وقف السجالات العنيفة منعا لتفاقم المناخ المحتقن دفع بعبدا الى المبالغة في تصوير عملية تأليف الحكومة كأنها صارت قاب قوسين او ادنى من الولادة الوشيكة، فيما لم يكن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي عقب زيارته لبعبدا امس على وتيرة المبالغة نفسها، بل اتسم تصريحه كما الأجواء القريبة منه بالتحفظ ولو انه لم ينف مطلقا احتمالات الاختراق في وقت قريب.
مسار التأليف
وفي معلومات “النهار” ان اجواء اللقاء امس بين الرئيسين عون وميقاتي لم تكن بحجم وواقع التفاؤل المصطنع الذي عمم قبل الموعد، بل ان الاجتماع كان مشدوداً وان طرح الأسماء من جانب عون اثار تباينات مع ميقاتي لجهة ان معظم من طرحهم عون معروفون بارتباطهم القوي المباشر للتيار العوني.
وأفادت اوساط بعبدا، أن الرئيسين عون وميقاتي دخلا مرحلة إنزال الأسماء على الحقائب التي تم التوافق عليها، وأن هذا الأمر يتطلب المزيد من التشاور لحسم أحد الأسماء المطروحة للحقيبة الواحدة خصوصاً أن اتفاقاً قائماً بأن تكون بعض الحقائب توافقية. وأضافت أنّه تم تبادل أسماء وسيدرسها الطرفان ويأخذان الوقت الكافي للاتفاق عليها أو تعديلها، ويفترض أن تتبلور الصورة خلال 48 ساعة. أمّا بالنسبة إلى بعض الحقائب، فهناك حقيبة أو اثنتان تحتاج المزيد من التشاور، وحقيبة الطاقة لا تزال قيد البحث، اذ يرفض معظم الافرقاء تولي هذه الحقيبة المتفجرة في ظل ازمتي النفط والكهرباء.
النهار