كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة يُعيد لبنان مئة يوم إلى الوراء. وكل شرط يوضع على الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي لعرقلة التشكيل يزيد من نقمة الناس ويؤجج الشارع ويلهبه أكثر مما هو ملتهب. وكل يوم يمرّ من دون إعادة إحياء الأمل في النفوس يضاعف اليأس والقنوط والإحباط. وكل تباطؤ في تقديم مشاريع حلحلة، وإن كانت غير قابلة للتنفيذ دفعة واحدة، قد يؤدي إلى فوضى بدأت ملامحها تلوح في الأفق. وكل إهمال لأي تفصيل، على رغم أن الشياطين ساكنة فيها، سيفتح شهّية المتربصين بلبنان شرًّا. وكلما تمّ التضييق على المواطنين كلما كان موعد الإنفجار أقرب مما يمكن تصورّه. وكلما بقي تصرّف المسؤولين على حاله كلما كان غضب الناس أكبر وأشمل.
الجميع متيقّن أن الحكومة، في حال تشكّلت، ويقول البعض بشيء من التفاؤل إنها ستتشكّل في الأيام القليلة المقبلة، لن تستطيع وحدها “أن تشيل الزير من البير”. وهذا هو لسان حال الرئيس ميقاتي الذي يعتقد جازمًا أن يدًا واحدة لا تصفّق. الحل الحقيقي يكون بتعاون الجميع، سواء الذين سمّوا الرئيس المكّلف أو لم يسمّوه. الحكومة ضرورية، ولكنها لا تملك عصًا سحرية، على رغم التصميم الذي نلمسه لدى الرئيس ميقاتي على أن يكون فدائيًا، وهو العارف بأن عملية الإنقاذ ليست مجرد نزهة، بل تتطلب عملًا إستثنائيًا ودوؤبًا ومضنيًا حتى يتمكّن اللبنانيون من الإنتقال من مرحلة إلى أخرى، ومن ضفة إلى ضفّة أكثر أمانًا وإطمئنانًا.
ما يعيشه اللبنانيون هذه الأيام لم يسبق أن مر عليهم حتى عندما كانت الصواريخ تنهمر على رؤوسهم. الكوارث والمآسي تحيط بهم من الجهات الأربع. فكيفما إتجهوا تصادفهم مشكلة أكبر من المشكلة التي كان يعتقدون أنها الأكبر. فاللبنانيون يموتون كل يوم ألف ميتة. يموتون وهم يستحّقون الحياة الكريمة.
ما يحصل من أعمال شغب في الشوارع والتعدّي على الأملاك العامة والخاصة لن يخدم القضية التي يناضل من أجلها شباب “الثورة. بل على العكس من ذلك، فهي تشّوه مطالبهم المحقّة، وتحقّق غايات بعض الذين يريدون للبنان شرًّا.
الحكومة الآتية، ولو بعد حين، ستكون كرئيسها، فدائية بإمتياز. ولذلك نقول، ويقول معنا جميع اللبنانيين، لمن يعنيهم الأمر، أو بالأحرى لمن في يدهم مفاتيح الحلّ والربط، سهّلوا المهمّة الشاقة التي قَبِل بها الرئيس ميقاتي، على رغم كل النصائح التي أصرّت عليه بعدم القبول، وذلك خوفًا عليه من إحراق اصابعه. ولكن من يعرف جيدًا هذا الرجل يعرف تمام المعرفة أنه لا يتراجع أمام التحدّيات والصعوبات، بل يشتدّ عوده، وتُستنفر كل طاقاته الإيجابية، وتزداد إرادته صلابة وعزيمة، منطلقًا بذلك من إيمانه بالعلي القدير، ومن إقتناعه بالقوة التغييرية التي يتمتع بها الشعب اللبناني، الذي أصبح تواقًّا أكثر من أي يوم مضى إلى تشبثّه بالحياة، ومن إيمانه أيضًا بأن لبنان لا بدّ من أن يتجاوز محنه، وأن الغد الآتي سيكون أكثر إشراقًا، ولكن دون ذلك شروط يجب توافرها، وهي الإنطلاق بالعمل الجاد والدؤوب بحكومة متجانسة، وهي “حكومة الممكن”، تحظى بإجماع اللبنانيين، الذين يُفترض بهم أن يعطوها فرصة إنقاذية، ولو أخيرة، وألاّ توضع في وجهها العراقيل، وأن تكون ولادتها طبيعية من دون شروط مسبقة، لأنه في حال الإنهيار الكبير لن تعود تنفع الحقائب أصحابَها بشيء على الإطلاق.
“حكومة الممكن” هي آخر خرطوشة. فلا تضّيعونها.
لبنان 24