وجوه بلا ملامح تجلس هنا، طاولتان اثنتان فقط في واحد من أشهر محلات الفلافل في صيدا (جنوب لبنان). عائلة أتت من بيروت منهكة بعد معاناة بسبب قطع الطرقات نتيجة نفاد مادة البنزين، وعائلة أخرى تجلس على طاولة قريبة.
يقول محمود، وهو أب لثلاثة أطفال: “أتينا إلى المطعم اليوم كاستثناء. مدخولي الشهري لا يتعدى مليوني ليرة، كان يوازي 1300 دولار، واليوم لا تتعدى قيمته 95 دولاراً. تكلفة وجبة الفلافل لعائلتي توازي اليوم 10 في المائة من دخلي، ناهيك عن كلفة المواصلات”، مضيفا: “يبدو أن الفلافل لم تعد لنا”.
وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها، لتهبط من 1500 ليرة مقابل الدولار إلى 21 ألف ليرة.
ويلاحظ صاحب محل الفلافل وسام عنتر التغيّر الواضح في الفئة الاستهلاكية. هو يعرف أبناء مدينة صيدا جيداً، ويشرح قائلا إن “معظم الزبائن الحاليين هم من يتقاضون رواتبهم بالدولار، أو من المغتربين”.
ويضيف عنتر “تراجع حجم الاستهلاك للعائلة الواحدة كثيراً عن الفترة الماضية، فنسبة أهالي صيدا الذين يزوروننا لا تتعدى 5% من إجمالي زبائننا”.
كما هو معلوم، الفلافل هي غالباً وجبة شعبية تراعي مداخيل الفقراء، لكن الأزمة الاقتصادية في لبنان اختطفتها من أفواههم، وأصبحت تفوق قدرتهم الشرائية.
ويعمل عنتر في المحل منذ سنوات، بعدما افتتحه والده في العام 1993، كانت أسعاره شبه ثابتة، إلا أنه بدأ يرفعها منذ بداية الأزمة في العام 2019. آنذاك، كان سعر سندويش (شطيرة) الفلافل ما بين 1500 وألفي ليرة لبنانية (كان توازي دولاراً واحداً تقريباً)، أما اليوم، فقد وصل سعر السندويش إلى ما بين 15 ألفاً و18 ألف ليرة بحسب الحجم.
يقول عنتر: “زدنا الأسعار تدريجياً مع بداية ارتفاع سعر صرف الدولار”، مضيفا: “نشهد زيادة متواصلة في أسعار مكونات الفلافل، معظمها ارتفعت أكثر من 20% عما كانت عليه في السابق، وبعض هذه المكونات يباع بالعملة الصعبة، وبالتالي، نحن مضطرون لزيادة الأسعار على الناس”.
ويشرح صاحب المحل حجم ارتفاع أسعار مكونات الفلافل قائلاً: “سجل طن الحمص في 2019 حوالي 650 دولاراً، ولكنه ارتفع اليوم إلى 950 دولاراً. أما طن الزيت، فارتفع من 950 دولاراً إلى 1700 دولار. فيما زاد سعر كيلوغرام الطحينة (وهي صوص الفلافل) حوالي دولار واحد، كما ارتفع سعر كيلوغرام البهارات حوالي 20%.
أما عن الخضار “فقد ارتفع كيلوغرام البندورة من ألف ليرة في العام 2019 إلى ما بين 6 و7 آلاف ليرة اليوم. ناهيك عن ارتفاع أسعار المازوت لتأمين الكهرباء. فالمحل يحتاج شهريا إلى 2.5 مليون ليرة ثمن المازوت لتوفير الكهرباء”.
ويضيف: “يخبرنا أصحاب المولدات مسبقا أنهم سيرفعون الأسعار. كما يتصل بنا التجار وينبهوننا إلى ارتفاع الأسعار في الأسابيع المقبلة، وبالتالي نضطر إلى رفع أسعارنا”.
يقول صاحب محل “هوت فلافل” أحمد بصماجي في طرابلس (شمال لبنان): “إنني أعمل منذ تسع سنوات في المحل، وكان مدخولي يكفي حاجة أسرتي، لكن اليوم الوضع أصبح سيئاً”.
ويضيف أنه اضطر إلى تسريح الموظف الذي كان يساعده، حيث بات الآن يعمل وحده، ويلفت إلى أن سعر سندويش الفلافل ارتفع من ألف ليرة في السابق إلى ما بين 10 إلى 12 ألف ليرة اليوم.
ويشير إلى أن أسعار المكونات تضاعفت وبعضها زاد 20% عن السابق، فيما يضطر إلى إغلاق محله حين تنقطع الكهرباء، بعدما تخلص أكثر من مرة مما حضّره من الفلافل بسبب أزمة التقنين.
بدورها، ترى نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك ندى نعمة أن “ارتفاع أسعار الأغذية والأكلات الشعبية يرتبط بازدياد كلفة مكوناتها مثل الخضار والحبوب والزيت وغيرها”.
وتضيف أن “هذا الواقع يضرب القدرة الشرائية للراتب الذي يتم تقاضيه بالعملة المحلية، والتي تراجعت 96%”.
وتفسر نعمة صمود الأسر في ظل هذه الأزمات بأنه “نتيجة المساعدات فقط، فسابقا كانت هناك مداخيل إضافية في الأسرة، أما اليوم، فالوظائف قلّت والمداخيل تراجعت، وأدى ارتفاع الأسعار والتضخم لتغيير أنماط الاستهلاك، بحيث تقلصت قدرة الأسر على الإنفاق، ما أجبرها على الاستغناء عن مواد أساسية، مثل اللحوم وغيرها”.
وتلفت نعمة إلى أن “ارتفاع أسعار الخضار الخيالي يرجع إلى تصاعد كلفة المازوت الذي يعتبر عنصراً أساسياً لتشغيل المضخات وري المزروعات. بالإضافة إلى كلفة النقل، فالمحروقات على أنواعها تباع في السوق السوداء”.
أما عن دور الرقابة، فتجيب نعمة أن “الواقع الآن يفضح غياب الرقابة نهائياً، فالبلد تسيطر عليه السوق السوداء عبر محتكرين محظيين”.
وتصف نعمة المشهد العام بأنه “فوضوي وضبابي في ظل غياب خطة طوارئ اقتصادية واضحة لمعالجة الأزمات”.
المصدر : هديل الزعبي