كتبت نوال العبدالله في سكوبات عالمية:
على وقع الأزمات الّتي تلاحق لبنان، بدأ الإنهيار الكبير. دخل لبنان في المحظور، وملأ الغضب قلوب الشعب. فَبِتْنا نسمع أنين الفقير والمظلوم والمحروم والجائع، فبلغ صداه عنان السماء.
وبدأت أولى الأزمات، عندما بدأ يرتفع سعر صرف الدولار. فكانت بداية ظهور السوق السوداء للعلن. ومع كل إرتفاع أو إنخفاض لسعر صرف الدولار، يكون سببه السوق السوداء.
فدخل الدولار السوق السوداء بأوسع أبوابه. و تلاه بعض السلع مثل أدوات التنظيف، الّتي نشاهدها على جوانب الطريق.
وفي كل مرة تظهر أزمة، نرى السوق السوداء هو المتحكّم بها.
وبدأت الأزمات تتوالى، من أزمة حليب أطفال و محروقات إلى أزمة لم نكن نتوقّع دخولها السوق السوداء، وهي أزمة الخبز. فبدأ بعض أصحاب المحلات ببيع الخبز بأسعار خيالية، حتّى وصل سعر ربطة الخبز حوالي 10 آلاف، ويُقال في بعض المناطق وصل سعر ربطة الخبز حوالي 12 ألف.
أمّا إذا أردنا أن نسترسل في الحديث عن أسعار السوق السوداء قد نتفاجأ. كان يباع غالون البنزين على الطرقات في بداية أزمة المحروقات، بحوالي 60 ألف اليوم لقد وصل سعر الغالون حوالي 120 ألف.
أمّا غالون المازوت، فكان سعره في بداية الأزمة حوالي 50 ألف، واليوم يبلغ سعره حوالي 150 ألف، وفي بعض المناطق بلغ سعره حوالي 160 ألف.
أمّا الدولار، فمع بداية الأزمة كان سعره 1600 ل.ل، أمّا اليوم فقد تخطّى 20 ألف، على الرغم أنّه في بعض الأحيان تجاوز 23 ألف.
والمعلوم أنّ من أهم أسباب التلاعب بسعر صرف الدولار هو العامل السياسي، وذلك بحسب خبراء الإقتصاد.
فيوضوّح الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للبنك الدولي، د. روك-أنطون مهنا، أنّ “العامل الأكثر تأثيراً في سعر صرف الدولار هو العامل السياسي، وأي تشنّج سياسي يرفع من سعره، على سبيل المثال كلمة الوزير جبران باسيل والتسريب الذي نُشر عن اجتماع رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال، أعطيا مؤشراً سلبياً عن تشكيل الحكومة”، بحسب ما ورد في صحيفة “النهار” اللبنانية.
ومنهم يعتبر أنّ إرتفاع سعر الصرف، متعلّق بإنخفاض الإحتياطي الإلزامي، وهذا ما يدفع إلى تدهور العملة الوطنية. وهذا ما تحدّث عنه الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، فقال إن “سعر صرف الليرة دخل مرحلة جديدة وهي التي ستحدد اتجاه الدولار”، مشيراً إلى أن “المرحلة هي مرحلة الاحتياطي”.
ولفت مارديني في حديث عبر قناة “الجديد” إلى أنه “كلما انخفض الاحتياطي الالزامي، كلما ارتفع سعر الدولار في المقابل وتدهورت الليرة”.
اليوم أصبح حديث الساعة، هي السوق السوداء، الّتي إجتاحت الأزمة لتزيد من وطئتها. فكلّما أعلنت الدولة عن أزمة جديدة، نجد السوق السوداء السبّاقة في بيع كل ما لا يخطر على البال، وبأسعار فاقت الخيال.
هذه السوق ليست بجديدة، فالسوق السوداء أو ما يعرف أيضاً بالإقتصاد التحتي هي السوق الّتي تتكون من كل التعاملات التجارية، والّتي يتم فيها تجنب كل القوانين الضريبية والتشريعات التجارية.
و يكون حجم السوق السوداء أصغر في الدول التي تكون فيها الحرية الاقتصادية أكبر، ويزداد حجمها في المجتمعات التي يكون فيها فساد أكبر.
ومن هنا، يمكننا القول أنّ لبنان لديه أكبر منظومة فساد قد أطاحت به، وأوصلتنا إلى عتبة الإنهيار والإفلاس.
إنّ الهدف من السوق السوداء هو تجميع الثروات، بالإضافة إلى التهرّب الضريبي.
مع العلم بأنّ بعض السلع الّتي تباع في السوق السوداء ليست بجودة عالية. فتعرض الكثير من البضائع من الأدوات التنظيف، ولكنها غير صالحة للإستعمال، وذلك بسبب الغش الّذي يتم أثناء تصنيعها، فمثلاً يضعون الملح لأدوية الغسيل. أمّا أدوية التنظيف السائلة فنجدها غير صالحة للإستعمل بسبب كونها تحتوي كمية مياه كثيرة.
خلاصة الكلام، لقد بِتْنا نلاحظ أنّ السوق السوداء أصبحت مشابهة للسوق الحرّة مع الإختلاف في بعض الجوانب، فمثلاً السلع الّتي تعرض في السوق الحرة كلّها ذات جودة و نوعية عالية. أمّا السوق السوداء فأغلب البضاعة تكون غير صالحة للإستعمال. ولكنّ الفرق بينهما هو أنّ أسعار السوق الحرّة مرتغعة بالنسبة لأسعار السوق السوداء، فمهما إرتفعت الأسعار في السوق السوداء يبقى السعر أقل من سعر السوق الحرة.
المصدر : سكوبات عالمية – نوال العبدالله