لا تزال تطلّعات كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلّف نجيب ميقاتي إلى طبيعة وشكل، وحتى مهمة الحكومة العتيدة، تسير في مسارين مختلفين ولا يلتقيان على الحدّ الأدنى من التقاطعات في التوجّهات، وفي المقاربة للمشهد “المُنهار” على كل المستويات. وليست “بروفا” رفع الدعم بالأمس، سوى المؤشّر على التخبّط والإرباك في الموقف السياسي إزاء انكشاف حجم الدعم المالي الشهري للمحروقات، والذي لا يحلّ الأزمة ولا يُرضي المواطنين، بل هو مجرّد حلقة في مسلسل استنزاف ودائع اللبنانيين عبر آلية أقلّ ما يُقال فيها، وفق كبار القانونيين، أنها غير قانونية، وبأن كل ليرة تُصرف من الإحتياطي الإلزامي، هي جريمة تُرتكب بحق المودعين و”سوء أمانة”، ويجب أن تخضع للملاحقة القانونية.
وُيخطىء من يعتبر أنه قادر على التصرّف بأموال المودعين في مصرف لبنان المركزي، يُضيف القانوني نفسه، لأن هؤلاء لم يتّخذوا القرار بمشاركة أموالهم مع الآخرين، كما أنهم لم يمنحوا السلطة السياسية حرّية التصرّف بودائعهم، بصرف النظر عن الدوافع والأسباب، لأن ما تقوم به هذه السلطة، هو تعدِّ على الأصول المالية التابعة لهم، من أجل أن تستخدمهم في دعم نفسها، لأن وظيفة السلطة هي التفتيش عن سبل تأمين كل مقوّمات الحياة للمواطنين وليس العكس، وعلى وجه الخصوص ما هو حاصل اليوم، ومن دون الدخول في تفاصيل النقاش الدائر حول مسألة الدعم للمحروقات، أو أي سلعة أخرى غير متوافرة في الأسواق، وفي مقدمها الدواء، مع العلم أن الكميات المستوردة والتي دفع ثمنها بعض اللبنانيين، ومن دون الأخذ برأيهم، هي مُضاعفة عن كل السنوات السابقة، وربما لأن السبب هو أن التغطية السياسية للمحتكرين للدواء والمحروقات في السوق السوداء، قادرون على تخطي القوانين المالية المعتمدة في لبنان وعلى المستوى الدولي، فهم يتاجرون عبر استخدام رأسمال لا يملكونه، بل حصلوا عليه ك”هبة” ومن ودائع اللبنانيين المجمّدة في المصارف، والتي لم يبقَ منها إلا الإحتياطي الإلزامي في المصرف المركزي.
واستحضر القانوني نفسه، واقعة النقاش “الشعبوي” الذي رافق عملية اتخاذ القرار بعدم دفع سندات اليوروبوند، والذي كانت له تبعات كارثية على الإقتصاد اللبناني، إذ أنه أدّى إلى إفلاس المصارف لأن القرار اتخذ وسط “همروجة” مواقف سياسية صادرة عن غير المختصين في هذا المجال، ولم يترافق مع مفاوضات مع الدائنين. وتخوّف من أن يكون النقاش السياسي في مسألة مالية يترتّب عنها تداعيات خطيرة، يجري بالأسلوب ذاته، ومن خلال التصريحات والمواقف وردود الفعل غير المسؤولة على الإطلاق، وبشكل خاص بالنسبة للحديث عن سهولة وضع اليد على الودائع، وكأنها ملك عام، فيما كل اللبنانيين يُدركون أن مصير ال14 مليار المتبقّية من التوظيفات الإلزامية، معرّضة لأن تُهدر من دون أن يستفيد منها المواطنون، كما سبق وأن هُدرت المليارات التي يقارب عددها ال10، خلال الأشهر الماضية، والتي كانت كافية لإنقاذ لبنان من أزمته من دون أية قروض أو مساعدات مالية خارجية كافة.
وفي سياق متصل، فإن فترة هذا الدعم مُعرّضة لأن تطول، وفق مصادر سياسية مواكبة لعملية التأليف، لأن هدر الوقت مستمر، ومشاورات التأليف عادت إلى نقطة الصفر،
و كأن البلد بألف خير ولا يغرق في الأزمات، ويُشارف على السقوط
المصدر: “ليبانون ديبايت” – فادي عيد