منذ النكبة المالية، واجتماعات المسؤولين كلّها تنتهي بخلاصة واحدة، ألا وهي تحميل المواطن عبء فشلهم. ليس أدّل عل ذلك سوى ما رشح عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، بأنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغ المجتمعين بعدم قدرته على فتح اعتمادات للمحروقات ودعم شرائها. المجتمعون هؤلاء، والذين تقع على عاتقهم مسؤولية إيجاد الحلول لهكذا قرار، أو منع تطبيقه، اكتفوا كالعادة بتسريب كلام الحاكم، وفي ظنّهم أنّ النقمة بذلك تصب على الحاكم وحده. تناسى هؤلاء مسؤولياتهم في وقف تهريب المحروقات إلى سوريا، وهو السبب الرئيسي وراء وقف الدعم، كما تجاهل هؤلاء أنّ عليهم إيجاد بدلائل من شأنها حماية الأمن الغذائي والإستشفائي والخدماتي للناس، وبطبيعة الحال نتحدث هنا عن بدائل حقيقية، لا وهمية كالبطاقة التمويلية المُنجزة على الورق، مع وقف التنفيذ، ربما لزمن الإنتخابات النيابية.
ما سرّب عن الحاكم لجهة رفع الدعم عن المحروقات، أكّده بنفسه وفق بيان صادر عن مصرف لبنان ورد فيه “اعتباراً من تاريخ 12/8/2021 سيقوم مصرف لبنان بتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة بالمحروقات، معتمدًا الآلية السابقة إياها، ولكن باحتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعًا لأسعار السوق. يعود لوزارة الطاقة تحديد الأسعار الجديدة للمحروقات”.
بهذه الطريقة سيُرفع الدعم عن البنزين
“الدولية للمعلومات” أجرت دراسة مصغرة، قدّرت فيها السعر المتوقع للبنزين والمازوت بعد رفع الدعم. بحيث سيقفز سعر صفيحة البنزين إلى 336 ألف ليرة، وسعر صفيحة المازوت إلى 278 ألف ليرة. وهذه الأسعار تنخفض أو ترتفع إذا انخفض أو ارتفع سعر النفط عالمياً، وكذلك إذا انخفض أو ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. كما ترتفع في حال زيادة حصة المحطّات وشركات النقل. وترتفع أو تنخفض في حال زيادة أو خفض أو إلغاء الرسوم والضريبة على القيمة المضافة.
سعادة: فاتورة المولدات 4 ملايين ليرة
الخطورة في رفع الدعم عن المحروقات، وفق الخبير المالي والمصرفي أنطوان سعادة في حديثه لـ “لبنان 24″، تكمن بأنّ هذا الإجراء لا يترافق مع أي خطّة بديلة كاملة، تشمل رفع الرواتب وتحفيز الإنتاج وغيره من البدائل، بالتالي تداعيات رفع الدعم لن تكون كارثية بل أعظم بكثير، ولعّل أبرز تداعياتها ستظهر في فاتورة الإشتراك بالمولدات الكهربائية. بحيث أنّ رفع الدعم الجزئي، وفق سعر 3900 ليرة ، جعل فاتورة المولد بمقدار 5 أمبير تترواح بين 500 و800 ألف. وبعملية حسابية، فإنّ رفع الدعم بالمطلق عن المازوت، من شأنه أن يرفع فاتورة المولّد بنسبة 5 أمبير إلى 4 ملايين ليرة، كون السعر الحالي هو 800 ألف لكل 5 أمبير وفق سعر صرف 3900 ليرة، هذا السعر سيُضرب بخمس مرات، نسبة إلى سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي تجاوز عتبة العشرين ألف.
يحمّل سعادة حاكم المركزي المسؤولية، وباعتقاده كان على الحاكم أن لا يوافق على سياسات الدعم العشوائية السابقة، كي يتمكّن من إطالة فترة الدعم، كأن يرفض دعم السلع غير الضرورية، وينظّم فواتير الدعم بحسب جداول زمنية، بدل الدعم الذي طال كل شيء بما فيه الكاجو “الأمر أوصلنا إلى الدخول في المحظور، أي رفع الدعم عن المحروقات. فليخبرنا الحاكم وغيره من مسؤولي البلد، كيف يمكن للمواطن أن يعيش بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات؟ وأي كارثة تلك التي تحل على البلد؟ “.
وقف الدعم لن يوقف التهريب
رفع الدعم عن المحروقات لن يوقف عملية التهريب، وفق سعادة “بحيث سيتمّ رفع أسعار المحروقات في سوريا، ليبقى التهريب ناشطًا، تماما كما حصل عندما رفع الدعم من 1500 إلى 3900. وبدل أن يرفعوا الدعم لوقف التهريب، ويدفعّوا الأثمان الباهظة للمواطن اللبناني، حري بهم إقفال الطرقات أمام التهريب”. وإذا كان هدف رفع الدعم وقف التهريب، يسأل سعادة “لماذا لا يتم دعم الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان، وهي مادة لا تُهرّب، عندها ترتفع ساعات التعذية بكهرباء الدولة، ويتم تقليل الإعتماد على المولدات الخاصة، في هذه الحال لا ترتفع فاتورة المولدات بشكل مؤذ”.
لن نتحدث عن تداعيات رفع الدعم عن المحروقات على أسعار باقي السلع، وفي مقدمها المواد الغذائية والأدوية، لكم أن تتخيّلوا السيناريو الكارثي،ومعه قد تصبح هذه السلع حكرًا على الأثرياء. هل هذا هو الأعظم الموعود وقد أتى فعلًا؟ أي نهاية ترسمونها لشعب لبنان؟