كتب بولس عيسى في “ليبانون ديبايت”:
في الوقت الذي ينتظر فيها اللبنانيون أي خبر شبه سعيد من هنا أو هناك، إمّا عن تشكيل حكومة أو مجرّد أجواء إيجابيّة للتشكيل، ليس لسبب سوى علّ خبراً مماثلاً ينعكس على سعر صرف الدولار في السوق السوداء وبالتالي يخفّ الخناق على أعناقهم قليلاً، في حمقة هذا الوقت، تفاجأوا بتطورات من هنا وهناك تُنذر بالشؤم، خطيرة جداً ومن شأنها لو تمادت في تفاعلها أن تخرّب البصرة على رؤوس أهلها.
التطوّر الأول كان على الصعيد الأمني الداخلي في خلدة، فيما التطوّر الثاني على الصعيد الأمني أيضاً في الجنوب.
وفي هذا الإطار، رأت أوساط سياسيّة مطّلعة أن تصعيد الحزب في الجنوب لا علاقة له أبداً بموقفه الثابت بأنه يريد تشكيل الحكومة البارحة قبل اليوم، وإنما له علاقة بمجموعة ملفات انفجرت في وجهه.
وأشارت الأوساط إلى أن كل ما شهدناه لا يدلّ أبداً على أن “حزب الله” خرج عن الستاتيكو نفسه المعتمد، فهو مع إسرائيل لم يذهب باتجاه التصعيد المفتوح وإنما اكتفى بمجرّد الرد بالشكل الذي يضمن فيه لنفسه ألا تذهب تل أبيب باتجاه التصعيد المفتوح الذي لا يريده, وبالتالي هذا الأمر إن أكّد على شيء، فهو على أن “حزب الله” لا يزال يتعاطى بالقواعد الإستراتيجيّة ذاتها ولم يتبدّل الكثير بالنسبة له.
وأوضحت الأوساط أن هناك مجموعة من الملفات التي انفجرت في وجه الحزب، كحادثة خلدة، وما حصل في بلدة شويّا وقضيّة انفجار مرفأ بيروت، إلاّ أن هذه الملفات التي استجدت على الحزب، لا تدفعه أبداً، وكما يحلّل البعض إلى التخلي عن اندفاعته باتجاه تأليف الحكومة، لا بل العكس تماماً باعتبار أن هذا الإحتقان الموجود والذي يتهدّده أكثر من أي فريق آخر، يُجبره على الضغط أكثر باتجاه التأليف، لتنفيس هذا الإحتقان وبالتالي إزالة الخطر الذي بدأ يتهدده داخلياً بشكل علني.
ولفتت الأوساط إلى أن مشكلة “حزب الله” في موضوع تأليف الحكومة هي على ما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله، بشكل أو بآخر، في أنه يقف على مسافة واحدة ما بين فريقي التأليف واللذين هما رئيس الجمهوريّة ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، ومن الواضح أن الحزب لا يريد لغاية اللحظة، إعطاء أي موقف مرجّح لفريق على الآخر أو إقحام نفسه في ممارسة الضغوط على الرئيس عون، والتي في حال لم يمارسها، فالحكومة لن تتألف على غرار تجربة الرئيس سعد الحريري.
واعتبرت الأوساط أن الحال اليوم هي في أن “حزب الله” كلّف الرئيس ميقاتي، إلا أنه وقف عند هذا الحد ولم يخطُ أي خطوة إلى الأمام باتجاه ممارسة الضغوط، وهناك في هذا الإطار تبرز وجهتا نظر، الأولى تقول بأنه لم يستخدم ضغوطه لأنه يعطي فترة سماح ما بين طرفي التأليف ليرى إن كان من الممكن أن يتوصلا إلى اتفاق من تلقاء نفسيهما من دون أن يتكلّف أي عناء من جهّة أو أثمان سياسيّة محتملة من الجهّة الثانية، وعندما يصل الرئيس المكلّف إلى الحائط المسدود، يعمد إلى التدخل تحت قاعدة “مُجبر أخاك لا بطل”. أمّا الوجهة الثانية، فتفيد بأن الحزب ، حريص على ألاّ يفعل مع ميقاتي ما لم يفعله مع الرئيس سعد الحريري، وبالتالي سيبقى ممسكاً العصامن وسطها، وإقدامه على تكليف ميقاتي، لا يعدو كونه مجرّد إشارة على رغبته القصوى في التأليف ولكنه لن يذهب أبعد من ذلك.
ورأت الأوساط أن تأليف الحكومة متوقّف على مدى رغبة الحزب في الذهاب باتجاه الضغط على عون، لأنه في حال بقي على موقفه الحالي فهناك صعوبة في مكان ما من أن يتمكّن ميقاتي من تجاوز الحالة التي يفرضها فريق العهد في ملف التأليف.
ولفتت الأوساط إلى أنه لا يمكن أن نغفل دخول العامل الإقليمي في هذه المرحلة على خط حسابات “حزب الله” مع تعثّر مفاوضات فيينا، إلا أن هذا الأمر لن يبدّل بشكل كبير في موقفه الراغب في تأليف الحكومة من أجل تنفيس الإحتقانات التي بدأت تنفجر في وجهه الواحدة تلو الأخرى.