يومياً تشتد الحبال على عنق القطاعات كافّةً، لا سيّما الحيوي منها نتيجة الشح الحادّ والخطير في مادّة المازوت. فالحاجة إلى المادة هذه ارتفعت من 200 ألف طن إلى 400 ألف طن شهرياً، بسبب التقنين القاسي والمتزايد في التيار الكهربائي والضغط في المقابل على المولّدات الخاصة التي لم تعد بدورها قادرة على تأمين المادة، فوجدت نفسها أمام خيارين اعتماد جداول تقنين أو إطفاء محرّكاتها، ووصل الحدّ ببعضها إلى الاستعانة بمازوت المنازل الخاصة، حيث أن المواطنين يقدّمون ما يمتلكون من المادّة لإبقاء المولّد شغّالا.
وسط هذا الواقع، شارفت سلفة مجلس النواب لاستيراد المازوت على الانتهاء، فيما مصرف لبنان غير قادر على تغطية هذه الزيادة، وموافقته على دعم المازوت على سعر ٣٩٠٠ ليرة لبنانية للدولار حتى نهاية ايلول لن تكون مضمونة، إذ استُنزفت كميّات كبيرة من الدولارات تفوق تلك المرصودة لهذه الغاية.
وكشفت معلومات صحافية عن أن المديرية العامة للنفط أعطت تعليماتها بفتح منشأتي طرابلس والزهراني ابوابها لتوزيع الديزل بعد الانتهاء من إحصاء الشركات التي تبيع في السوق السوداء والتي ستحرم من حصتها في الأيام المقبلة.
من جهتها، كانت المستشفيات الخاصة ومن ضمنها الجامعية أعلنت منذ يومين أن “عددا منها مهدد بتوقف مولداته خلال ساعات بسبب عدم توافر مادة المازوت”.
ورغم خطورة الموضوع ودقّته كونه يهدّد حياة المرضى، لا تزال المشكلة على حالها من دون حلّ وفق ما أكّد نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ “المركزية”، موضحاً أن “أمس تمكّنا من تأمين المازوت لعدد من المستشفيات بواسطة بعض الشركات المستوردة الخاصة، واليوم الأزمة كبيرة جدّاً والضغط يزداد، حيث كلّ المستشفيات تتصل للمطالبة بتأمين المادة”. ولفت إلى أن “النقابة تبذل كلّ الجهود الممكنة وتتواصل مع المعنيين لإيجاد مخرج، إلا أن الوضع صعب جدّا. وحيث نجد قطرة مازوت نسعى لجلبها إلى المستشفيات. كذلك توقف أكبر مصنع لإنتاج الأمصال عن العمل بسبب فقدان المادة بعد ان كنّا نبّهنا من ذلك”.
كذلك، لقمة عيش الفقير في خطر، فقد نبّهت نقابة المطاحن من الإقفالات القسرية خلال ايام معدودة بعد وقف العديد منها نشاطه بسبب فقدان المازوت في السوق حتّى السوق السوداء. لتبث على الاثر معلومات عن تأمين مئة الف طن من المادة للمطاحن كي تستعيد نشاطها.
أما الأفران من ناحيتها، فبحاجة إلى حوالي خمسة ملايين ليتر شهرياً من المازوت لمواصلة عملها بشكل طبيعي، لكن في ظلّ الشحّ “توقف عدد كبير منها عن العمل اليوم كما في صور وخلدة وحالات، في حين أن أخرى على مشارف التوقف بين اليوم وغدا عند نفاد مخزونها”، وفق ما كشف نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم لـ “المركزية”، لافتاً إلى أن “في شكل متوسطّي يمكن لأغلبية الأفران أن تستمرّ في الإنتاج ليومين أو ثلاثة كحدّ أقصى ما لم تؤمّن المادة. ونتخوّف من أن يحلّ بنا ما يحصل في المحطات حيث قد تصطف الطوابير أمام من يتمكن من مواصلة صناعة الرغيف”.
واشار إلى أن “رغم رفع الصوت مرارا وبشكل متواصل لم يأبه اي من المسؤولين أو يسأل. ولو لم تسعَ منشآت الزهراني لتأمين المادة للأفران عبر شخص مديرها مشكور زياد الزين، لكان فقد الرغيف منذ فترة طويلة. أما وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة فيقول أن لا علاقة له بموضوع المازوت. والاذونات الخاصة التي حصلت عليها الأفران لتسليمها هذه المادة من وزارة الاقتصاد شيكات بلا رصيد مدرجة في الجوارير إذ لا يمكن الاستفادة منها بعد أن ابلغتنا شركات المحروقات بنفاد الكميات لديها وعدم توافر المازوت”، خاتماً “يبدو أن خلف كلّ ما يحصل نيّة واتّجاها لرفع الدعم”.
توازياً، طفت نهاية الأسبوع الماضي أزمة غاز محتملة على سطح الازمات، حين حذّر نقيب العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته فريد زينون من أن المخزون يكفي لأسبوع فقط ما لم يبادر مصرف لبنان إلى فتح اعتمادات للاستيراد. وتخوّفاً من الأسوأ، اصطفت طوابير المواطنين أمام مراكز تعبئة الغاز لتعبئة قواريرهم. فهل يمكن أن يزيد الهلع الوضع سوءاً؟
زينون أوضح في حديث لـ “المركزية” أن “مع الطوابير يغطّي المخزون حاجة أسبوع، وتسلَّم نصف الكميات للموزعين للسعي إلى الحفاظ على المخزون قدر الإمكان لحين فتح مصرف لبنان اعتمادات كي تفرغ البواخر حمولتها، وحتّى اللحظة لم يتمّ إبلاغنا بأي تطوّر أو خطوة إيجابية في الإطار. حتّى أن أي بيان توضيحي لم يصدر عن المسؤولين ولا يأبهون”.
وعن اعتبار التصريحات عن أزمة الغاز المحتملة عشوائية وأن الغرض منها الضغط على مصرف لبنان، أكّد زينون أن “من يطلق هذه المواقف يقف إلى جانب السلطة. ونحن نتكلّم بناءً على وقائع ومعطيات مؤكّدة. لا نرفع الصوت لخلق الهلع في صفوف المواطنين بل تفادياً للوقوع في مشكلة مثل البنزين والمازوت، ونحذّر قبل وقوع الكارثة وتحسباً لفقدان المادة نهائياً بعد أسبوع أو حتّى نشوء سوق سوداء، وعلى كل من يشتري المادة من السوق السوداء بغير السعر الرسمي إبلاغ حماية المستهلك بكلّ التفاصيل”.
وتابع “هناك باخرة في البحر الإقليمي محمّلة بـ 5000 طن وأخرى ستصل منتصف الشهر وفيها 9000 طن يجب فتح اعتمادات مسبقة لها كي تؤمّن المادة بشكل طبيعي، ويمكن أن تغطّي حاجة شهر”، مشدّداً على أن “الغاز مادّة حيوية لا يمكن قطعها والتوقف مثلاً عن تحضير الطعام.